الرومان في صقلية، هذا إلى أنه قد نظم الأمة أحسن تنظيم قائم على الحكمة والسداد، وقوي عزيمتها، وقادها إلى النصر وسط الخطوب والأهوال الجسام. هذا فضل مجلس الشيوخ، أما الرومان أنفسهم فقد أمدوا الحكومة بالمال والعتاد، والأيدي العاملة، وبالرجال الذين بنوا لرومه أسطولها الأول- وكان مؤلفًا من ٣٣٠ سفينة كلها تقريبًا ذات صفوف من المجدفين، ويبلغ طول الواحدة منها ١٥٠ قدمًا، في كل منها ٣٠٠ مجذف و ١٢٠ جنديًا، ومعظمها مجهز بخطاطيف من الحديد لم تكن معروفة من قبل، وبجسور متحركة تمكنهم من الإمساك بسفن الأعداء والنزول إليها. وبهذه الطريقة بدل الرومان الحرب البحرية التي لم يألفوها من قبل حربًا برية يقاتلون فيها أعدائهم يدًا بيد، وتستطيع فيها فيالقهم أن تستفيد بكل ما تمتاز به من مهارة وحسن نظام. ويقول بولبيوس في هذا:"ويدل هذا الحادث أكثر مما يدل غيره من الحوادث على ما للرومان من جرأة وبسالة إذا ما اعتزموا القيام بعمل خطير .. ذلك أنهم لم يفكروا قط قبل هذه الحرب في إنشاء أسطول؛ فلما أن استقر رأيهم على إنشائه بذلوا في ذلك جهد الجبابرة، وهاجموا به من فورهم القرطاجنيين الذين ظلوا عدة أجيال سادة البحار لا ينازعهم فيها منازع- مع أن الرومان لم تكن لهم في حرب البحار خبرة ما (١٤) ". والتقي الأسطولان بالقرب من إكنوموس Economus أحد الثغور الواقعة على ساحل صقلية الجنوبي؛ وكانا يحملان من الجند ثلاثمائة ألف. ودارت بينهما أكبر معركة بحرية في التاريخ القديم (٢٥٦). وانتصر الرومان فيها انتصارًا مؤزرًا حاسمًا ساروا بعده إلى إفريقيا لا يلوون على شيء، ونزلوا إلى البر دون أن يعنوا باستطلاع الأرض، فالتقوا بقوة تفوق قوتهم كادت تفنيهم عن آخرهم، وأسرت قنصلهم الطائش المتهور. وبعد قليل من ذلك الوقت دفعت العواصف الأسطول الروماني إلى شاطئ صخري فتحطمت منه ٢٨٤ سفينة وغرق ٨٠. ٠٠٠ من رجاله. وكانت هذه أعظم كارثة بحرية عرفها الناس في التاريخ. وأظهر