حكمه وبين أخلاق الأهلين وحضارتهم، واتخذ له أصدقاء من زعماء القبائل، ووزع الأراضي على الفقراء. ولكن واحداً من خلفائه يدعى لوسيوس لوكس Lucius Lucullus (١٥١) أخل بشروط المعاهدات التي عقدها جراكس وهاجم من غير سبب كل قبيلة يستطيع أن يجد عندها ما لا يغتصبه منها، وقتل أو استبعد آلافاً من الأسبان دون أن يكلف نفسه عناء البحث عن حجة يبرر بها هذا الاعتداء. واتبع هذه السنة نفسها سلبسيوس جلبا Sulpicius Galba (١٥٠) فاستقدم إلى معسكره سبعة آلاف من الأهلين بعد أن عقد معهم معاهدة يعدهم فيها بأنه سيوزع عليهم بعض الأراضي؛ فلما جاءوا أمر أعوانه بأن يحيطوا بهم ثم ذبحهم أو استرقهم. وفي عام ١٥٤ شنت قبائل لوزتانيا Lusitania (البرتغال) على رومه حرباً دامت سبع سنين. وظهر بين هذه القبائل زعيم قدير يدعى فرياثوس Viriathus قوي البنية، فارع الطول، شجاعاً، صبوراً، شهماً، نبيلاً. وظل ثماني سنين يكيل الضربات إلى كل جيش روماني يرسل لقتاله ويوقع به الهزيمة حتى ابتاع الرومان آخر الأمر من يقتله غيلة. وصبر الكتلتبريان Celtibrians الثائرون أهل أسبانيا الوسطى على الحصار في نومانتيا خمسة عشر شهراً، لا يتناولون من الطعام إلا جثث موتاهم، حتى أرغمهم سبيو إيمليلنوس في عام ١٣٣ على التسليم. ويمكن القول بوجه عام إن السياسة التي سارت عليها الجمهورية الرومانية في أسبانيا قد بلغت من الوحشية والغدر حداً جعل ضررها برومه أكثر من فائدتها لها. وفي هذا يقول ممسن Mommsen المؤرخ الألماني "إن التاريخ كله لم يشهد حرباً تضارع هذه الحرب الأسبانية فيما انطوت عليه من ضروب الغدر والقسوة والجشع (٤) ".
وكانت الثروة المنتهبة من الولايات هي التي أمدت رومه بالمال الذي تتطلبه حياة التهتك والفساد والأنانية التي أشعلت نار الثورة في البلاد، وقضت آخر الأمر على الجمهورية. ذلك أن الغرامات الحربية التي فرضتها رومه على قرطاجنة