وكانت إذا شبت النار سارعت إلى مكانها، وعرضت أن تُستأجر لإطفائها، أو ابتاعت المباني المعرضة لخطر الحريق بأثمان اسمية، ثم أطفأت الحريق. وحصل كراسس بهذه الطريقة على مئات من البيوت والمساكن كان يؤجرها بأجور مرتفعة. واشترى كذلك عدداً من مناجم الدولة حين أخرجها صلا عن نطاق الأملاك العامة. وما لبثت ثروته أن ارتفعت بهذه الطريقة من سبعة ملايين سسترس إلى مائة وسبعين مليوناً (أي نحو ثروته ٢٥. ٥٠٠. ٠٠٠ ريال أمريكي) - أو ما يقرب من جميع دخل الخزانة العامة في عام كامل. ويقول كراسس إنه لا يحق لإنسان ما أن يعد نفسه غنياً إذا لم يكن في مقدوره أن يجند لنفسه جيشاً، ويعد له كل ما يلزمه من سلاح وعتاد، ويحتفظ به (١٤). وقد شاءت الأقدار أن يكون هلاكه بسبب ثرائه الذي يحدده هذا التحديد. ذلك أنه أن أصبح أغنى رجل في رومه ظل حليف الشقاء، شديد الرغبة في أن يشغل منصباً عاماً، وأن يكون والياً على أحد الأقاليم، وقائداً لحملة أسيوية. ومن أجل ذلك كان يطوف الشوارع يستجدي الناس أصواتهم في ذلة وخضوع، ويحتفظ بالأسماء الأولى لعدد لا حصر له من المواطنين، ويتظاهر بشظف العيش، ويعمل على ضم ذوي النفوذ من رجال السياسة إليه بإقراضهم المال من غير فائدة على شرط أن يؤدوه له متى طالبهم بأدائه. على أنه رغم حرصه وطمعه كان طيب القلب، لا يصد عن بابه من يريد لقاءه، يكرم أصدقاءه إلى أقصى حدود الكرم، يسدي النصيحة لكلا الحزبين السياسيين بالحكمة التي امتاز بها أمثاله من الرجال على مدى الأيام. وقد حقق في حياته كل آماله، فاختير قنصلاً في عام ٧٠ ق. م، واختير إلى هذا المنصب مرة أخرى في عام ٥٥، وحكم سوريا، وأعان على تجيش الجيش العظيم الذي قاده لفتح بارثيا Parthia. وهُزم في كارهي Carrhae وأسر غدراً وخيانة، ثم قتل قتلة وحشية في عام ٥٣، فقطع رأسه، وصب أعداؤه الذهب المصهور في فمه.
وكان تيتس بمبونيوس أتكس Titus Pomponius atticus أصدق