الأسر كانوا يحتفظون بسجلات تاريخية تفاخرا وإعجابا بأنفسهم (١٥٧). وكان المؤرخون الرسميون يصحبون الملوك في حملاتهم، ولكنهم لا يبصرون هزائمهم، بل يسجلون، أو يخترعون من عندهم، تفاصيل نصرهم، لأن كتابة التاريخ كانت قد أضحت حتى في ذلك العصر البعيد فنا للزينة والتجمل. وأخذ العلماء المصريون من عام ٢٥٠٠ ق. م يكتبون قوائم بأسماء ملوكهم، ويؤرخون السنين بحكمهم، ويذكرون الحوادث الهامة في كل حكم وفي كل عام. فلما تولى تحتمس الثالث الملك كانت هذه الوثائق قد أصبحت تواريخ بحق، تفيض بالعواطف الوطنية (١٥٨). وكان فلاسفة الدولة الوسطى يرون أن الإنسان والتاريخ نفسه قد تقادم بهما العهد وأضنتهما الشيخوخة وأخذوا يندبون ما انقضى من شباب جسمهم الفتي. وشكا عالم في عهد سنوسريت الثاني أي حوالي ٢١٥٠ ق. م من أن كل ما يمكن أن يقال قد قيل من عهد بعيد، ومن أن الأدب لم يبق له ما يقوله إلا التكرار. وقال في أسى وحسرة:"ألا ليتني أجد ألفاظاً لم يعرفها الناس، وعبارات وأقوالاً بلغة جديدة لم ينقض عهدها، وليس فيما تلوكه الألسن أقوال لم تصبح تافهة مملة، ولم يقلها آباؤنا من قبل"(١٥٩).
ولقد أخفى تقادم العهد ما في الأدب المصري من تباين كما يخفى ما بين أفراد الشعوب غير المألوفة للإنسان من فروق بيد أن الآداب المصرية في خلال تطورها الطويل قد مرت بحركات ونزعات لا تقل في تباينها عن الحركات والنزعات التي اضطرب بها تاريخ الآداب الأوربية. وتغيرت لغة الكلام في مصر تغيراً تدريجياً على مر الزمان، كما تغيرت لغة الكلام في أوربا من بعد، حتى أصبحت هذه اللغة في آخر الأمر كأنها لغة أخرى غير التي دونت بها كتب الدولة القديمة. وظل المؤلفون وقتا ما يكتبون باللغة الأولى، وظل العلماء يدرسونها في المدارس والطلاب لا يجدون مندوحة عن دراسة "الآداب القديمة" مستعينين بكتب النحو والمعاجم وبالتراجم التي "بين السطور" في بعض الأحيان. فلما كان القرن الرابع عشر قبل الميلاد ثار