يستثمر لشيشرون أمواله المدخرة والذي أنجاه من عدة ورطات مالية، ونشر له مؤلفاته، وأسدى إليه من النصح السديد ما لم يعمل به. وقد كتب شيشرون إلى أتكس، وكان غائباً في بلاد اليونان عن حكمة وفطنة حين بلغت الثورة عنفوانها، خطاباً يعد مضرب المثل في الوفاء وعذوبة اللفظ قال فيه:
لست اشعر بحاجة أشد من حاجتي إلى من أستطيع أن أفضي إليه بكل ما يتصل بي، ومن يحبني، ومن أثق بحزمه وحصافة رأيه، ومن أستطيع أن أتحدث إليه بلا ملق ولا رياء ولا تحفظ. إن أخي الذي يفيض صراحة وحناناً غائب عني … وأنت يا من أنجيتني من متاعبي وأسباب قلقي برأيك السديد، ويا من كنت رفيقي في الشؤون العامة وموضع ثقتي في جميع شؤوني الخاصة. وشريكي في جميع أقوالي وأفكاري- أين أنت؟ (٥٤).
وبينما كانت بلاد الرومان تمر بتلك الأيام العصيبة حين عبر قيصر الروبكون وهزم بمبي، ونصب نفسه حاكماً بأمره، اعتزل شيشرون الحياة العامة إلى حين وأخذ ينشد الراحة من عنائها في قراءة الفلسفة والكتابة فيها. وقد كتب إلى أتكس في ذلك الوقت يقول له:"تذكر ما وعدتني به فلا تعط كتبك لإنسان ما بل احتفظ بها لي. إني أحبها أعظم الحب، وتشمئز نفسي أشد الاشمئزاز من كل ما عداها"(٥٥). وقد عمل وقتئذ بما كان ينصح به غيره، وأصدر في فترة لا تزيد إلا قليلاً على سنتين ما يكاد يكون مكتبة في الفلسفة (١). ذلك أن ضعف العقيدة الدينية لدى الطبقات العليا قد خلف وراءه فراغاً أخلاقياً لاح معه
(١) De Republica، ٥ ق. م: De Legibus ٥٢ Academica De Consolatione and De Finibus ٤٥ De Narure Dcorum، De Divinationen، De Fato، De Virtutibus، De Officüs De Amicitia، De Senectute، De Go oria، Disputationes Tuscnlanae وكل هذه في سنة ٤٤ ق. م وفي عامي ٤٥ - ٤٤ ألف شيشرون خمسة كتب في فن الخطابة.