على هذين السورين وعلى الجيوش الرومانية الباسلة وهاجمتها المرة بعد المرة، ولكنها باءت في كل هجماتها بالخسران. وواصل الجيش المنقذ هجماته على هذا النحو أسبوعاً كاملاً، ثم تبدد شمله لاختلال نظامه ونقص طعامه وعتاده، واستحال هذا الجيش فلولاً لا حول لها ولا طول في الساعة التي نفذت فيها موارد الرومان، ولم يمض إلا قليل من الوقت حتى بعثت المدينة الجائعة فرسنجتركس نفسه بناء على طلبه إلى قيصر أسير الحرب، ثم استسلمت للرومان ووضعت نفسها تحت رحمتهم (٥٢). وعفا قيصر عن المدينة فلم يمسسها بسوء، ولكنه أسلم جنودها لرجال جيشه ليكونوا رقيقاً لهم. وسيق فرسنجتركس مكبلاً بالأغلال إلى رومه حيث سار فيما بعد يزين موكب نصر قيصر، وجوزي بالقتل على حبه للحرية.
وقرر حصار إليزيا مصير بلاد غالة، كما قرر خصائص الحضارة الفرنسية. ذلك أنه أضاف إلى الإمبراطورية الرومانية بلاداً تبلغ مساحتها ضعفي مساحة إيطاليا وفتح خزائن خمسة ملايين من الناس وأسواقهم إلى التجارة الرومانية. يضاف إلى هذا أن ذلك الحصار أنجى إيطاليا وعالم البحر الأبيض المتوسط مدة أربعة قرون من غارات البرابرة، وانتشل قيصر مرة أخرى من حافة هاوية الخراب إلى ذروة المجد والثروة والسلطان. وظلت بلاد غالة عالماً آخر تثور ثورات متفرقة عقيمة، أخمدها قيصر بقسوة لم تألفها منه، ثم خضعت لرومه وأسلمت لها أمورها. وما كاد يتم له النصر حتى عاد قيصر كما كان الفاتح الشهم الكريم، فعامل القبائل المغلوبة معاملة لينة كان من آثارها أن هذه القبائل لم تتحرك قط لتخلع عن كاهلها نير رومه حين شبت فيها نار الحرب الأهلية، ولم يكن في مقدورها ولا في مقدور قيصر أن يؤدبا هذه القبائل. وظلت بلاد غالة بعدئذ ثلاثمائة عام ولاية رومانية يعمها الرخاء في ظلال السلم الرومانية، وتعلمت من خلالها اللغة اللاتينية، وأدخلت عليها كثيراً من التغيير حتى أصبحت الأداة التي نقلت بها ثقافة العهود الغابرة إلى