عليه، وعهد جبايتها إلى موظفين مسؤولين أمامه. ولم يأبه باللعنات القديمة التي كانت تصب على من يعيد بناء كبوا وقرطاجنة وكورونثة؛ وأتم في هذه الناحية أيضاً ما شرع فيه ولدا جراكس، وأعطى حقوق الرومان أو اللاتين للمستعمرين الذين أرسلهم لإنشاء عشرات المدن الممتدة من جبل طارق إلى البحر السود، أو لتعمير ما كان قائماً منها من قبل. ولا جدال في أنه كان يريد أن يمنح حق المواطنية الرومانية لجميع الذكور الراشدين في الإمبراطورية كلها، وبذلك لا يكون مجلس الشيوخ ممثلاً لطبقة واحدة في رومه بل يكون ممثلاً لعقلية الولايات جميعها وإرادتها. وهذه الفكرة التي سيطرت على عقل قيصر فيما يجب أن يكون عليه نظام الحكم، مضافة إلى تنظيمه الجديد لرومه وإيطاليا، تكمل في رأينا تلك المعجزة المنقطعة النظير- المعجزة التي جعلت من الشاب المتلاف العربيد رجلاً من أقدر رجال السياسة المشؤومة في جميع العصور وأعظمهم شجاعة وعدلاً واستنارة.
وكان قيصر كالإسكندر لا يعرف أين تقف جهوده وإصلاحاته؛ فلما أن رسم في ذهنه صورة لدولته في نظامها الجديد ساءه أن يجدها معرضة للغزو عند أنهار الفرات والدنواب والرين، فأخذ يفكر في إرسال حملة عظيمة لإخضاع بارثيا والأخذ بثأر كراسس الذي أمده بالمال في أزماته، وفي الزحف حول البحر الأسود لتهدئة سكوذيا Scythia، وفي ارتياد نهر الدانوب وفتح ألمانيا (١٦). حتى إذا ما أمن الإمبراطورية على هذا النحو عاد إلى رومه مثقلاً بالمجد والمغانم، ومعه من المال ما يستطيع به أن يقضي على الكساد الاقتصادي في البلاد، وله من القوة والجاه ما يستطيع به أن يغض الطرف عن كل معارضة؛ ومن الحرية ما يمكنا من أن يعين من يخلفه، وأن يموت بعد أن يورث العالم "السلم الرومانية" Pax Romana، وهي أعظم تراث يستطيع أن يورثه إياه.