للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عام ٢٧ عن جميع مناصبه، وأعلن عودة الجمهورية، وصرح برغبتهِ (وهو في الحامسة والثلاثين من عمره) باعتزال الحاة العامة. وأكبر الظن أن هذه المسرحية قد أعدت من قبل؛ فقد كان أكتافيان من أولئك الرجال الحذرين الذين يعتقدون أن الأمانة خير أساليب السياسة، بشرط أن تمارس بحكمة وحسن تدبير. ومهما تكن حقيقة هذا الأمر فقد قابل مجلس الشيوخ نزول أكتافيان عن حقوقه بنزوله هو أيضاً عما له من حقوق، وتوسل إليه أن يظل هادياً للدولة ومصرّفاً لأمورها، ومنحه لقب أغسطس وهو اللقب الذي أخطأ المؤرخون فحسبوه اسمه. ولم يكن هذا اللقب يستعمل من قبل إلا في وصف الأشياء والأماكن المقدسة وبعض الأرباب المبدعة أو المكثرة (ومعنى أوجير Augere باللاتينية "يزيد")؛ فلما أن أطلق على أكتافيان خلع عليهِ هالة من القداسة وحباه بحماية الدين والآلهة.

ويلوح أن سكان رومة قد بدا لهم زمناً ما أن "عودة" الجمهورية كانت عودة حقيقية، وأنهم استعادوها فعلاً في نظير صفة خلعوها على أكتافيان. ولم لا؟ ألا يزال مجلس الشيوخ والجمعيات هي التي تسن القوانين، وتختار كبار الحكام؟ إن أحداً لا ينكر ذلك وكل ما يفعله أغسطس وعماله هو أن "يقترحوا" القوانين و"يرشحوا" أرباب المناصب الهامة. وكان أكتافيان بوصف كونه إمبراطوراً وقنصلاً يسيطر على الجيش والخزانة، وينفذ القوانين، وكان بفضل امتيازاته التربيونية يشرف على كل ما عدا ذلك من أعمال الحكومة. ولم تكن حقوقه أوسع كثيرا من حقوق بركليز Pericles أو بمبي أو أي رئيس نشط من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن الفرق كله أن سلطاته هو كانت دائمة. وقد استقال في عام ٢٣ من القنصلية، ولكن مجلس الشيوخ منحه وقتئذ "سلطات القنصل" وإن لم يبق له اسمه، فجعله بذلك المسيطر على الموظفين جميعهم في الولايات كلها.

ولم يعترض أحد على ذلك في هذه المرة أيضاً؛ بل حدث عكس هذا.