ومنها ما هو على صورة النخيل؛ وفيها قصور ذات نوافذ قرب السقوف؛ وفيها عتبات فخمة تمتاز بالقوة والثبات اللذين هما روح الجاذبية القوية في فن العمارة. لعمري إن المصريين لهم أعظم البنائين في التاريخ كله بلا جدال.
ومن الناس من يضيف إلى هذا أنهم أيضا أعظم المثالين، فلقد أنشأوا في بداية تاريخهم تمثال أبي الهول ذلك التمثال الذي يرمز إلى الصفات الأدبية التي اتصف بها أحد الفراعنة الأقوياء؛ ولعل هذا الفرعون هو خفرع. والتمثال لا ينم عن القوة فحسب بل يفصح كذلك عن الصفات الخلقية. ولقد حطمت طلقة من مدافع المماليك أنف التمثال وحلقة لحيته، ولكن ملامحه القوية الضخمة تعبر أحسن تعبير وأقواه عما اتصف به ذلك الملك من قوة ومهابة وهدوء ونضوج، وكلها صفات يجب ألا تفارق الملك. وقد علت هذه الملامح الساكنة ابتسامة خفيفة لم تفارقها منذ خمسة آلاف من السنين، كأنما الفنان المجهول الذي صاغه أو الملك المجهول الذي يرمز التمثال له، كان يفهم كل ما يريد الخلق أن يفهموه عن الخلق. والحق أنه هو " موناليزة " من الصخر الأصم.
وما من شيء في تاريخ النحت أجمل من تمثال خفرع المصنوع من حجر الديوريت والذي يقوم الآن في متحف القاهرة. لقد كان هذا التمثال قديماً في أيام هركستليز، قدم هركستليز نفسه بالنسبة إلينا؛ مع هذا فقد اجتاز حقبة من الزمان طولها خمسون قرنا، ثم وصل إلينا ولم تكد تؤثر فيه عوادي الدهر ونوائبه. لقد صنع هذا التمثال من أصلب الحجارة وأشدها استعصاء على الإنسان، ولكنه ينقل إلينا أكمل ما يكون النقل قوة الملك (أو الفنان) البدنية، وسلطانه وعناده وصلابة رأيه وبسالته وذكائه. ويجلس بالقرب منه تمثال عابس متجهم لملك أقدم من صاحب التمثال الأول عهدا وهو تمثال الملك زوسر المصنوع من حجر الجير. ومن بعده يكشف لك الدليل بعود الثقاب عن شفافية تمثال رائع من المرمر هو تمثال منقورع.
ويضارع تمثالا شيخ البلد والكاتب تماثيل الملوك من ناحية الإبداع