الأخلاق، فقد مُثلت في نقش أراباسس Ara Pacis البارز الجميل حياة رومة وحكومتها؛ وشُيدت المباني العامة لتمثيل قوة الإمبراطورية وعظمتها، وأقيمت عشرات الهياكل لتستثير في قلوب الناس ذلك الإيمان الذي كاد يموت.
واقتنع أغسطس في آخر الأمر-وهو الرجل المتشكك الواقعي-بأن إصلاح الأخلاق لا بد أن ينتظر نهضة دينية. ذلك أن جيل المتشككين أمثال لكريشيوس وكانلس وقيصر كان قد مضى وانقضى، وأدرك أبناء هذا الجيل أن خشية الآلهة هي شباب الحكمة، بل إن أوفد الساخر نفسهُ أخذ يكتب بعد قليل من ذلك الوقت على طريقة فلتير: "إن أسباب الرحمة للإنسان أن تكون هنالك آلهة، وأن نعتقد بوجودها Expenditesses Deos et Un Expedit Esse Putemuse " (٢٧) . وكانت عقول المتحفظين تعزو أسباب الحرب الأهلية وما جرته على الدولة من كوارث إلى إهمال الدين، وما استتبع هذا الإهمال من غضب آلهة السماء. وأصبح الناس الذين حل بهم عقاب الآلهة في كل مكان من إيطاليا على استعداد لأن يعودوا إلى مذابح البلاد القديمة، وأن يسبحوا بحمد الآلهة الذين أبقوا عليهم ليستمتعوا بعودة الدين إلى سالف عهدهِ السعيد. ولما خلف أغسطس لبدس Lepidus الفاتر الإيمان-بعد أن ظل صابراً زمناً طويلاً يترقب موته-لما خلفه من منصب الكاهن الأكبر "احتشدالناس من كافة أنحاء إيطاليا لينتخبوني لهذا المنصب حتى بلغ عددهم حداً لم يبلغ مثله في رومة من قبل"(٢٨). وتزعم هو حركة إحياء الدين وسار على بهجها، وكان يرجو أن يكون الناس أكثر قبولاً لإصلاحاتهِ السياسية والأخلاقية إذا ما ربطها رباطاً وثيقاً بالآلهة الرومانية. ومن أجل هذا رفع مقام الجماعات الأربع الكهنوتية، وزاد ثروتها إلى حد لم يكن له مثيل في الأيام السلفة، واختار نفسه عضواً في كل منها، واضطلع بواجب اختيار أعضائها الجدد، وكان يحرص كل الحرص على حضور اجتماعاتها ويشترك في مواكبها الفخمة الرهيبة.