كان عسيراً عليهم أن يضعوا أغسطس في منزلة تقل عن هؤلاء. ولم يكن الأقدمون وهم يفعلون هذا من الغفلة والبلاهة بالدرجة التي يرميهم بها من يفعلون فعلهم في هذه الأيام؛ فلقد كانوا على علم تام بأن أغسطس بشر، فإذا ألهوا روحه أو أرواح غيره فإنهم لم يكونوا يستعملون لفظ إله Theos، Deus إلا بالمعنى الذي نستعمل نحن فيهِ لفظ قديس في هذه الأيام. والحق أن تقديس الموتى وليد التألية الروماني، وأن الصلاة للآدمي المؤلفة لم تكن تبدو لهم في ذلك أكثر سخفاً مما تبدو الصلاة للقديس في هذه الأيام.
وارتبطت عبادة عبقرية الإمبراطور في البيوت الإيطالية بعبادة أرباب المنازل وعبقرية أبي الأسرة. ولم يكن في هذه العبادة شيء عسير على شعب ظل عدة قرون يؤله الموتى من آبائهِ، ويبني لهم المذابح، ويسمي مقابر أسلافه هياكل. ولما أن زار أغسطس آسية اليونانية في عام ٢١ ق. م وجد أن عبادته قد انتشرت فيها انتشاراً سريعاً؛ وكانت النذور تقدم إليهِ والخطب ترحب بهِ بوصفه "المنقذ" و "ناقل الأنباء السارة" و "الإله ابن الإله". وقال بعض الناس أنه هو المسيح الذي طال انتظاره أقبل يحمل السلام والسعادة لبني الإنسان (٢٩). وجعلت مجالس الولايات الكبرى عبادته المحور الذي تدور عليهِ احتفالاتها، وعينت مجالس الولايات والبلديات طائفة جديدة من الكهنة يدعون بالأغسطيين لخدمة الإله الجديد. وأبدى أغسطس استيائه من هذا كلهِ، ولكنه قبله آخر الأمر على أنه تمجيد روحي للزعامة، وتقوية للرابطة بين الدين والدولة، وعبادة مشتركة موحدة بين عقائد مختلفة مفرقة، وهكذا رضي حفيد المرابي أن يكون إلهاً.