"كانت تنتابه نوبات الصرع"، ويكاد في بعض الأحيان "يعجز عن المشي أو التفكير"(٢٤). وكان يختفي أسفل سريره إذا سمع هزيم الرعد، ويفر مذعوراً إذا شاهد اللهب فوق بركان إتنا؛ وكان مصاباً بالأرق يطرف به ليلاً جنبات قصره الواسع يصيح طالباً طلوع الفجر. وكان طويل القامة، ضخم الجسم، كثيف الشعر، إذا استثنينا رأسه الأصلع. وكان له صدغان منخفضان، وعينان غائرتان، تنفر الناس منه، ويُسر هو من ذلك النفور. وكان "يمثل بوجهه أمام المرآة كل المناظر المخيفة"(٢٥). وكان قد أحسن تعليمه في صباه، فكان خطيباً مفوهاً، حاد الذكاء، فكهاً لا يراعي في فكاهته احتشاماً ولا قانوناً. وقد افتتن بحب التمثيل فأعان كثيرين من الممثلين، وكان هو نفسه يمثل ويرقص سراً. وكان إذا رغب أن يشهده النظارة دعا زعماء مجلس الشيوخ متظاهراً بأنه يدعوهم إلى اجتماع خطير، ثم يعرض أمامهم رقصة (٢٦). ولو أنه أتيحت له حياة هادئة يعمل فيها عملاً يتحمل تبعته لجاز أن يهدئ ذلك من أعصابه، ولكن سم السلطة ذهب بعقلهِ، ذلك أن صحة العقل، كالحكم، تحتاج إلى ضوابط وموازين، وما من أحد من بني الإنسان يستطيع أن يكون قادراً على كل شيء وأن يكون في نفس الوقت سليم العقل. ولما أسدت إليهِ جدته أنطونيا بعض النصح أنبها بقوله:"اذكري أن في مقدوري أن أفعل أي شيء بأي إنسان". وذكر لضيوفه في إحدى الولائم أن في وسعه أن يقتلهم كلهم وهم متكئون في مقاعدهم؛ وكان وهو يحتضن زوجته أو عشيقته يقول لها ضاحكاً": "سيطيح هذا الرأس الجميل بكلمة تخرج من فمي" (٢٧).
وسرعان ما أخذ الزعيم الشاب يصدر الأوامر إلى مجلس الشيوخ ويطلب إليه الخضوع لهذه الأوامر، بعد أن كان يُظهر له أعظم الاحترام، فصار يسمح