مقدرة فائقة، ورقى خير هؤلاء الرجال أعضاء في مجلس الشيوخ. ولكن إسرافه لم يلبث أن أفرغ خزانة الدولة من الأموال التي ملأها بها تيبيريوس، فبددها تبديداً منقطع النظير؛ من ذلك أنه لم يكن يستحم بالماء بل بالعطور، وقد أنفق على إحدى الولائم عشرة ملايين سسترس (٣١)، وبنى قوارب عظيمة للنزهة ذات عمد وشاد أبهاء للمآدب، وحمامات، وحدائق، وأشجار فاكهة، مطعمة في مؤخرها بالجواهر. وأمر مهندسيه أن يقيموا على خليج بايا Baiae جسراً مستنداً إلى عدد من القوارب بلغ من كثرته أن عز الطعام في رومة لعدم وجود السفن لنقل الحبوب. ولما تم بناء الجسر أقيم احتفال عظيم، وأضيء مكان الاحتفال بالأضواء الغامرة على الطريقة الحديثة، وأخذ الناس يقصفون ويطربون ويشربون، حتى انقلبت بهم القوارب وغرق منهم كثيرون. وكان من عادته أن ينثر من قصر يوليا النقود الذهبية والفضية على الشعب من تحته، ثم يراقبهم في مرح وسرور وهم يتنازعون نزاعاً قاتلاً على اختطاف هذه النقود. وبلغ من حبه للعصبة الخضراء في سباق الخيل أن منح سائق إحدى العربات مليوني سسترس، وأن بنى إسطبلاً من الرخام ومذوداً من العاج لجواد السباق انستاتس Incitatus، ودعاه إلى وليمة واقترح أن يعينه قنصلاً.
وأراد أن يجمع المال اللازم لعبثه وشهواته التي لم تنقطع طوال حياته فأرجع العادة القديمة، عادة تقيم الهدايا إلى الإمبراطور؛ وكان يتسلم هذه الهدايا بيدهِ، وهو جالس في شرفة قصره، من كل من يقدمها إليه؛ ويشجع المواطنين على أن يذكروه في وصاياهم ويجعلوه وارثاً لهم، وفرض الضرائب على كل شيء: على كل طعام يُباع، وعلى كل الإجراءات القضائية، وفرض ١٢. ٥% على أجور الحمالين. ويؤكد سوتونيوس أنه فرض "على مكاسب العاهرات" ضريبة "تعادل مقدار ما تناله الواحدة منهن نظير عناقها مرة، وقرر القانون أن تظل من كانت يوماً ما عاهرة خاضعة لهذه الضريبة وإن تزوجت"(٣٢).