كان يريد أن يواص هذا السباب، فلما رفض هلفديوس أن يجيبه إلى ما طلب نفاه إلى خارج البلاد ولوث حكمه الصالح بأن أمر بإعدامه. وقد ندم على عملهِ هذا فيما بعد واستمسك في سائر عهدهِ، على حد قول سوتونيوس "بأعظم الصبر وهو يستمع إلى عبارات أصدقائه الصريحة … وإلى قحة الفلاسفة"(٩٥). وكان هؤلاء فلاسفة كلبيين ساخرين أكثر منهم رواقيين؛ كانوا فوضويين متفلسفين يشعرون أن كل حكم أياً كانت صفته عبء على الناس فرضاً، وكانوا يهاجمون كل إمبراطور يجلس على العرش.
وأراد أن يطعم مجلس الشيوخ بدم قوي جديد، بعد أن أوهنته الحرب الأهلية والقيود على اختلاط الأسر، فعمل على أن يعين رقيباً، ثم جاء إلى رومة بألف من الأسر الممتازة في إيطاليا والولايات القريبة، وسجل أسماءها في سجلات طبقتي الأشراف والفرسان، وملأ ما كان في مجلس الشيوخ من فراغ من بين هذه الأسر الجديدة. وحذا هؤلاء الأشراف الجدد حذوه بعد أن ضرب لهم أحسن الأمثلة، فأصلحوا بسلوكهم الأخلاق الرومانية والمجتمع الروماني. ذلك أن أفراد هاتين الطبقتين لم يكونوا ممن أفسدتهم الثروات الطائلة، ولم يكونوا ممن طال عليهم العهد ببعدهم عن العمل الشاق وزراعة الأرض، فلم يستنكفوا أن يقوموا بالواجبات والأعمال الرتيبة في الحياة وتصريف شؤون الحكم. وكانت تتصف بما يتصف به الإمبراطور من نظام حسن وآداب رقيقة. وق خرج من هذه الطبقة الجديدة أولئك الحكام الذين صلحت بهم حكومة رومة بعددومتيان Domitian مدى جيل كامل، وأدرك فسبازيان ما جره من المساوئ استخدام العبيد المحررين منفذين لأوامر الإمبراطور، فاستبدل بمعظمهم رجالاً ممن جاء بهم ومن طبقة رجال الأعمال التي اخذ عددها يزداد في رومة. واستطاع بمعونة هؤلاء وأولئك أن يرد إلى رومة كرامتها وهو عمل يكاد يكون معجزة من المعجزات.