ولعل سبباً كهذا هو الذي حدا بهِ إلى إعادة كثير من الهياكل القديمة في الحواضر وفي بلاد الريف نفسها. فقد أعاد بناء هيكل جوبتير، ويونو، ومنيرفا، وكان جنود فيتلوس قد أحرقوا هذه الهياكل وهدموها فوق روؤوس جنوده. وشاد معبداً لباكس Pax إلهة السلام، وبدأ أشهر المباني الرومانية كلها وهو مبنى الكولسيوم. وغضبت الطبقات العليا حين رأت الضرائب تفرض على ثروتها لإقامة المنشآت للدولة وأداء الأجور للعمال الفقراء، كما أن العمال أنفسهم لم يحمدوا له كثيراً عمله هذا. ومن أعماله الأخرى أنه حشد الشعب لإزالة ما خلفته الحرب الأخيرة من أنقاض، وحمل هو نفسه أول ما حمل منها، ولما أن عرض عليه أحدالمخترعين تصميم آلة رافعة تقلل الحاجة إلى العمل الجثماني إلى حد كبير أبى أن يستخدمها وقال:"إني أريد أن أطعم شعبي"(٩٨) وكان هذا الخطر المؤقت الذي فرضه فسبازيان على الاختراع اعترافاً منه بمشكلة التعطل الفنية، وقراراً بالحيلولة دون حدوث ثورة صناعية.
وعم الرخاء الأقليم إلى حد لم يكن له نظير من قبل، فكانت ثروتها في ذلك الوقت-إذا قدرت بالنقد على الأقل-ضعفي ما كانت عليه في عهد أغسطس، ولذلك تحملت أعباء ما زاد من الخراج من غير أن يصيبها ضرر ما. وعين فسبازيان أجركولا Agricola الرجل القدير حاكماً على بريطانيا، وعهد إلى تيتس أن يخمد ثورة اليهود، فاستولى على أورشليم ثم عاد إلى رومة بكل مظاهر الشرف التي تتوج الإسراف في التقتيل، وسار القائد المظفر في موكب نصره ومن ورائه صف طويل من الأسرى وقدر كبير من الغنائم مخترقاً شوارع رومة، وأقيم له قوس نصر شهير لتخليد ذكرى هذا النصر الباهر. وازدهى فسبازيان بانتصار ولده ولكنه ساءه وأقلق باله أن رأى نيتس يأتي معه بأميرة يهودية جميلة تدعىبرنس Berenice لتكون خليلة له، ويرغب أن يتزوجها، وفي هذه المرة أيضاً حمل الآسر معه آسره.