للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بين نفسه الطيبة ونفسه الخبيثة. لقد كان على الدوام شديداً لا يلين، أما الآن فقد انحدر إلى القسوة والوحشية؛ ولقد كان قادراً على أن يحكم حكماً صالحاً، ولكن مقدرته هذه كانت موقوفة على أن يكون حاكماً أوتوقراطياً لا معقب لحكمه؛ ففي عهده لم يلبث مجلس الشيوخ أن فقد سلطته، وكانت اختصاصاته الواسعة بوصفه رقيباً سبباً في إذلال هذا المجلس وبث روح الانتقام في نفوس أعضائه. هذا إلى أن غرور دومتيان لم يقف عن حد، والغرور كما هو معروف من الصفات التي تترعرع حتى نفوس الوضيعين من الناس: ومن مظاهر غروره أنه ملأ الكبتول بتماثيله، ونادى بتأليه أبيه وأخيه وزوجته وأخته كما نادى بتأليه نفسه، وأنشأ طائفة جديدة من الكهنة سموا الفلافيال Flaviales ليشرفوا على عبادة أولئك الأرباب، وطلب إلى الموظفين ألا يذكروه في وثائقهم إلا بلقب "سيدنا وإلهنا Dominus et Deus Noster". وكان يجلس على عرشه ويشجع زائريه على أن يحتضنوا ركبتيه، وأدخل في قصره المزخرف آداب القصور الشرقية، لأن الزعامة أصبحت بقوة الجيش وانحلال مجلس الشيوخ ملكية غير دستورية. واشتعلت نيران الفتن على هذا التطور الجديد بين صفوف الأشراف وبين الفلاسفة والأديان التي أخذت تتسرب إلى رومة من بلاد الشرق. وأبى اليهود والمسيحيون أن يعبدوا دومتيان ويتخذوه إلهاً من دون الله، وندد الكلبيون بكل أنواع الحكومات، وأقسم الرواقيون ليقاومن كل مستبد جبار ويكرمن قتلة المستبدين وإن قبلوا أن يحكم البلاد ملوك. وفي عام ٣٩ طرد دومتيان الفلاسفة من رومة، ثم أخرجهم من إيطاليا كلها في عام ٩٥، وكان قرار طردهم من رومة يشمل معهم المنجمين، لأن تنبؤهم بموت الإمبراطور أوقع الرعب في قلب رجل خال قلبه من الإيمان ومستعد لقبول الخرافات والأوهام. وفي عام ٩٣ أعدم دومتيان بعض المسيحيين لأنهم أبوا أن يقربوا القرابين بين يدي تمثاله؛