الأباطرة. والحق أن الكثيرين منهم كانوا جديرين بهذا كله، لأنهم كانوا يلبسون لباس الفلاسفة الخشن، ويطلقون لحاهم طويلة، لبستروا بثوب العلم نهمهم، وأطماعهم، وبخلهم، وغرورهم. وفي ذلك يقول أحد الأشخاص للوسيان إن:
"دراسة قصيرة للحياة قد أقنعتني بما في جميع الأغراض الدنيوية من سخف وحقارة … وخير ما أستطيع أن أفكر فيه وأنا في هذه الحالة النفسية هو أن أعرف حقيقة الحياة كلها من الفلاسفة … ومن اجل هذا أخترت أحسنهم-إذا كان وقار المنظر، واصفرار الوجه، وطول اللحية هي المقياس الذي يعتمد عليه في هذه الحال … ثم وضعت نفسي بين أيديهم. وطلبت إليهم أن يعلموني نظام الكون في نظير مبلغ كبير من المال أؤديه إليهم فوراً، ومبلغ آخر أؤديه إليهم حين أصل إلى الغاية في الحكمة. ولكن الذي حدث لسوء الحظ أنهم لم يبددوا ما كنت فيه من جهل، بل زادوا عقلي ارتباكاً فوق ارتباكه بما جرعوني من بدايات وغايات، ودرات وفراغ، ومواد وأشكال. وكان أصعب ما لقيته أنهم جميعاً كانوا يريدون أن أصدقهم، رغم ما بينهم من خلاف، ورغم ما كان في اقوالهم كلها من تناقض؛ فكان كل واحد منهم يجذبني نحوه … وكثيراً ما كان يعجز عن أن يخبرك بما بين مجارا وأثينة من أميال، ولكنه لا يتردد مطلقاً في أن يخبرك بما بين الشمس والقمر من أقدام (١١).
وكان معظم الفلاسفة الرومان من أتباع المذهب الرواقي، أما لأبيقوريين فلم تترك لهم االخمر ولنساء والطعام وقتاً للنظريات الفلسفية. وكان في أماكن قليلة من رومة متسولون يَدْعون إلى الفلسفة الكلبية، لا يعنون بالتفكير، ويدعون الناس إلى البساطة والتقشف، ويذعنون لما يطلبه الشعب إلى الفلاسفة أن يكونوا فقراء، ومن أجل هذا كانوا أقل طوائف الفلاسفة احتراماً. ولكن سنكا اتخذ واحداً من هؤلاء صديقاً وفياً له؛ وقال في هذا متسائلاً: "ولم لا أجل دمتريوس وأعظمه؟ لقد وجدته