ومن الأمور الشاذة غير المألوفة أن يبقى اسما هذين الفنانين، وذلك لأن الفنانين الذين خلدوا بجهودهم ذكريات الأمراء والقساوسة والفنانين والملوك أو ملامحهم لم يكن لديهم من الوسائل ما ينقلون به ذكرهم إلى من يجيء من بعدهم، وإن كنا نسمع بإمحوتب مهندس عهد زوسر، وهو رجل يكاد أن يكون اسمه أسطورة من الأساطير القديمة، ونسمع عن إنيني الذي أعد رسوم المباني العظيمة أمثال معبد الدير البحري لتحتمس الأول؛ وعن بويمر، وحبوسنب، وستموت الذين شادوا المباني العظيمة للملكة حتشبسوت (١)، وعن الفنان تحتمس الذي كشف في بقايا مرسمه كثير من روائع الفن، وعن بك المثال الفخور الذي يقول لنا أنه لولاه لعفى على اسم إخناتون الزمان (١٢٢). وكان لأمنحوتب الثالث مهندس معماري يسمى أيضا أمنحوتب بن حابو. وكان الملك يضع تحت تصرف هذا المهندس الموهوب ثروة يخطئها الحصر، وذاع اسم هذا الفنان الشهير حتى عبدته مصر فيما بعد واتخذته إلها من آلهتها. لكن الفنانين على الرغم من هذا كانوا يعملون وهم فقراء مغمورون، ولم تكن لهم عند القساوسة والكبراء الذين يستخدمونهم مكانة أسمى من مكانة الصناع أو أرباب الحرف العاديين.
وقد تعاون الدين المصري مع الثروة المصرية على الإيحاء بالفن وإنمائه، وتعاون مع غنى مصر وضياع إمبراطوريتها على إماتته. لقد كان الدين يقدم للفنانين الحوافز والأشكال، ويوحي إليهم بروائع فنهم، ولكنه فرض عليهم من العرف والقيود ما شده إلى الكنيسة بأقوى الروابط. فلما أن مات بين الفنانين الدين الخالص، ماتت بموته الفنون التي كانت تعيش على هذا الدين. تلك هي المأساة التي لا تكاد تنجو من شرها أية مدينة- وهي أن روحها في عقيدتها، وأن هذه الروح قلما تبقى بعد فناء فلسفتها.
(١) لقد كان ستموت يلقى من ملوكه من ضروب التعظيم ما أنطقه بقوله: " لقد كنت أعظم العظماء في العالم كله ". وكانت هذه عقيدة شائعة ولكنها لم تكن دائماً ينطق بها.