للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نظاماً لممارسة مهنة الطب، فكان الحذاؤون، والحلاقون، والنجارون يمارسون مع مهنهم الأصلية إذا شاءوا، ويستعينون بالسحر، ويخلطون عقاقيرهم بأنفسهم ويبيعونها للناس (٩٩). ولم تخلُ تلك الأيام من التقريع والشكاوى المألوفة. وقد كرر بلني تنديده بأطباء اليونان الذين "يغوون زوجاتنا، ويجمعون الثروات الطائلة بتسميمنا، ويتعلمون بتعذيبنا ويتدربون بقتلنا" (١٠٠). واشترك بترونيوس، ومارتيال، وجوفنال في هذا الهجوم العنيف، وبعد قرن من ذلك الوقت نرى لوسيان يندد بعجز من يمارسون مهنة الطب، والذين يخفون هذا العجز بجمال أجهزتهم وأدواتهم (١٠١).

وفتحت في عهد فسبازيان مستمعات Auditoria لتعليم الطب يتولى التعليم فيها أساتذة تعترف بهم الدولة وتؤدي إليهم رواتبهم، وكانت اللغة اليونانية لغة التعليم في هذه المعاهد كما أن اللغة اللاتينية هي اللغة التي تكتب بها تذاكر الدواء في هذه الأيام، وللسبب عينه-وهو أن اللغة اليونانية كانت وقتئذ اللغة التي يفهمها أصحاب اللغات المختلفة. وكان يطلق على خريجي هذه المعاهد اسم أطباء الجمهورية، وكانوا هم وحدهم الذين يستطيعون ممارسة الطب بصفة قانونية في رومة بعد عهد فسبازيان (١٠٣). ونص في قانون أكوليا Les Aquilia على أن تشرف الدولة على الأطباء، كما نص فيه على وجوب تحملهم تبعة إهمالهم. وكان قانون كرنليا Les Cornelia يفرض أشد العقوبات على من يتسببون في موت المرضى بسبب إهمالهم أو خطئهم الناشيء من جلهم بأعمالهم (١٠٤). ومع هذا فإن الدجالين ظلوا يمارسون دجلهم، ولكن عدد الأطباء المتعلمين ظل يزداد شيئاً فشيئاً. وكانت كثرة الرومان ممن أخرجتهم القابلات إلى هذا العالم، ولكن هاته النسوة كن مدربات على عملهن أحسن تدريب (١٠٥). وقد وصل الطب العسكري في عام ١٠٠ م إلى أرقى ما وصل إليه في الزمن القديم: فكان في كل فيلق أربعة وعشرون جراحاً، كما كان له هيئة للإسعاف الأولي