أريد حفظها بأجمعها عن ظهر قلب، أما حفظ بعض الأجزاء المكتوبة دون البعض الآخر فإنه يُفسد الأسلوب الارتجالي ويعوقه، وإذا كتبت الخطبة فلتكتب بعناية "فإذا أسرعت في الكتابة، فإنك لن تحسنها أبداً، وإذا أحسنت الكتابة فإنك لن تلبث أن تكتب بسرعة"؛ تجنب "ترف الإملاء الذي أخذ ينتش بين الكتاب في هذه الأيام"(١٢٠)، والذي يدل على التهاون والكسل، "والوضوح ألزم الأشياء للخطب، ثم يليه الإيجاز والجمال والقوة. وعليك أن تصحح أخطائك المرة بعد المرة ولا تبال بما يصيبك في هذا من عنت.
"وليس المحو بأقل أهمية من الكتابة، امح كل ما لا ضرورة له، واسم بكل ما هو عادي ورتب ما تراه مضطرباً، واجعل العبارات متزنة إذا ما وجدتها خشنة غير رقيقة، وخففها إذا وجتها دسمة اكثر مما يجب … وخير طريقة للإصلاح أن يغفل الإنسان ما كتبه بعض الوقت، حتى إذا عاد إليه بعدئذ بدا عليه مظهر الجدة، كأنه من عمل لإنسان آخر؛ وبهذه الطريقة لا يكلف الإنسان بكتابته كلفه بطفله الحديث الولادة (١٢١).
ويجب يضرب الإلقاء والكتابة على أوتار العواطف والقلوب، ولكن عليك أن لا تسرف في الحركات والإشارات، لأننا "لا نكون بلغاء إلا بالوجدان وقوة الخيال". أما إذا "صرخت، وخُرت، ورفعت يدك، ولهثت، وهززت رأسك، بيديك، وضربت فخذك وصدرك وجبهتك، فإنك ستهوي من فورق إلى قلوب احط من يستمعون إليك (١٢٢) ".
ويضيف كونتليان في كتابه الثاني عشر إلى هذه النصائح القيمة خير نقد أدبي بقي لدينا من أيام الأقدمين، فهو يدلي بدلوه، وهو أشد ما يكون حماسة، في ذلك الصراع القديم والحديث بين القدامى والمحدثين، ويجد الحقيقة تتأرجح في الوسط بين هؤلاء وهؤلاء؛ وهو لا يرغب كما يرغب فرنتو Franto في أن يعود إلى البساطة والخشونة اللتين ينادي بهما كاتو وإنيوس؛