بوجود شركات خاصة في عهد الإمبراطورية تتكفل بنقل بريد الأفراد. وكانت الرسائل الخاصة في ذلك الوقت أقل من مثيلاتها في هذه الأيام وأحسن منها. على أن نقل الأخبار في غربي أوربا وجنوبيها لم يكن في عهد قيصر أقل سرعة منه في أي وقت من الأوقات قبل مد السكك الحديدية. وشاهد ذلك ان الخطاب الذي أرسله قيصر من بريطانيا إلى شيشرون في عام ٥٤ ق. م وصل إلى رومة في تسعة وعشرين يوماً، وان سير ربرت بيل لما سافر مسرعاً من رومة إلى لندن في عام ١٨٣٤ احتاج إلى ثلاثين يوماً (٢٠).
وكانت الطرق القنصلية من أهم العوامل في تسيير سبل الاتصال والنقل. وكانت هذه الطرق هي الوسائل التي ينفذ لها القانون الروماني، والأعصاب التي تصبح بها رغبات رومة إرادة الدولة بأجمعها. وقد أحدثت هذه الطرق في العالم القديم انقلاباً تجارياً من نوع الانقلاب الذي أحدثه إنشاء الطرق الجديدة في القرن التاسع عشر. وحسبنا شاهداً على عظمة هذه الطرق أن طرق أوربا في العصور الوسطى وفي العصور الحديثة ظلت إلى أيام استخدام البخار في النقل أقل شأناً من طرق الإمبراطورية الرومانية في عهد الأنطونيين. لقد كان في إيطاليا وحدها في ذلك الوقت ٣٧٢ طريقاً رئيسياً، ١٢٠٠٠ ميل من الطرق الكبرى المرصوفة، وفي الإمبراطورية بأجمعها ٥١. ٠٠٠ ميل من الطرق العامة المرصوفة، فضلاً عن شبكة أخرى من الطرق الثانوية. وكانت الطرق الكبرى تسير فوق جبال الألب إلى ليون، وبردو، وباريس، وريمس، وبولوني؛ وكانت طرق أخرى تجري إلى فينا، ومينز، وأجزبرج، وكولوني، وأوترخت، وليدن؛ وكان ثمة طريق يبدأ من أكويليا محازياً ساحل البحر الأدريادي، ويصل هذه المدينة عن طريق إجناشيا بسلانيك Thessalonica. وأقيمت جسور فخمة لتحل محل القوارب التي كانت تنقل الركاب والبضائع في عرض المجاري التي كانت تعطل سبل الاتصال في الزمن القديم. وكانت توضع عند كل ميل في الطرق