للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وتخترق النفق وتسير فوق عقود فخمة، كانت هذه القنوات تحمل إلى روما من عيون بعيدة ما لا يقل عن ٣٠٠. ٠٠٠. ٠٠٠ جالون من الماء في كل يوم، ينال منها كل فرد في روما ما يناله أي إنسان في مدننا الحديثة (٣٩). على أن هذه المباني الضخمة لم تكن تخلو من عيوب. فقد كانت أنابيب الرصاص تخرق وتتطلب الإصلاح المرة بعد المرة، وأصبحت هذه القنوات كلها غير صالحة للاستعمال قبل نهاية عهد الإمبراطورية الغربية (١). ولكننا إذا ذكرنا أنها كانت تحمل إلى المباني، والمساكن، والقصور، والفسافي، والحدائق، والبساتين، والحمامات العامة التي يستحم فيها آلاف الناس مجتمعين، وان ما بقي بعد ذلك من الماء كان يكفي لإنشاء بحيرات صناعية للمعارك الحربية، إذا ذكرنا هذا كله بدأنا ندرك أن رومة كانت احسن الحواضر القديمة إدارة، وأنها كانت من خير المدن المزودة بما تحتاج إليه من الضروريات والكماليات، رغم ما كان فيها من فساد، وما كان ينتابها من رعب في كثير من الأحيان.

وكان يشرف على مصلحة المياه في ختام القرن الأول الميلادي سكستس يوليوس فرنتينس الذي جعلته كتبهم أشهر مهندسي الرومان الأقدمين. وكان قبل أن يتولى هذا المنصب قد عمل بريتوراً، ووالياً على بريطانيا، وتولى القنصلية مراراً عدة. وكان كالحكام الإنجليز في هذه الأيام يجد متسعاً من الوقت لتأليف الكتب وحكم الولايات، فقد نشر كتباً في العلوم الحربية لا يزال ختامه باقياً إلى هذه الأيام (٢)، وترك لنا وصفاً بقلمه لعملية المياه في رومة De Aquis Urbis Romanae. وهو يصف ما وجده في تلك المصلحة حين تولى أمورها من ضروب الفساد والرشوة، وكيف كانت القصور والمواخير تخرق الأنابيب الكبرى


(١) ولا تزال إحداها وهي قناة "فرجو" Virgo تمد بالماء قوارة ترفي Trevi، وقد أصلحت ثلاث قنوات أخرى وهي تمد رومة بالماء في هذه الأيام.
(٢) ويبدأ الكتاب الثالث بهذه الملاحظة الهامة: "إن اختراع آلات الحرب قد وصل من زمن بعيد إلى أبعد غاياته، ولا أمل في أن يتقدم هذا الفن عما هو عليه الآن".