وبركستيلز Praxiteles، وبروتوجنيس Protogenes قصة الفنون الجميلة في بلاد اليونان. ففيه يضطر المؤرخ إلى الحديث عن الأشياء لا عن الأشخاص، وأن يحصي النقود، والآنية، والتماثيل، والنقوش، والصور، والمباني، ويبذل في ذلك جهد اليائس لعله يستطيع بما يبذله من الكد في جمعها أن يصور للقارئ صورة عظمة رومة المليئة بأسباب العظمة. ذلك أن منتجات الفن تستهوي العين أو الأذن، أو اليد، أكثر مما تستهوي العقل، ويذهب جمالها أو يكاد إذا خففته فأحلته أفكاراً وألفاظاً. وليس عالم التفكير إلا واحداً من عوالم كثيرة لكل فكرة عالمها الخاص، ومن أجل هذا كان لكل فن وسيلته الخاصة التي ينفذ بها إلى النفوس، والتي لا يمكن أن تستحيل ألفاظاً وكلاماً، وحتى الفنان نفسه إذا كتب عن الفن فإنه يعجز عن تصويره.
وثمة سحابة قائمة مشئومة تغشي سماء الفن الروماني خاصة: تلك هي أننا نصل إليه عن طريق الفن اليوناني الذي يبدو في أول الأمر أنه المثل الذي احتذاه، والمرشد الذي اهتدى بهديه. وكما أن مشاعرنا تضطرب لما نشاهده في فن الهند من صور وأشكال غريبة، فكذلك تخمد جذوة عواطفنا لما في الفن الروماني من تكرار ممل للصور والأشكال المألوفة، ولقد تحدثنا من قبل عن الأعمدة والتيجان الدُّورية والأيونية والكورنثية، كما تحدثنا عن النقوش الملساء التي اتخذت مثلاً أعلى يحتذى؛ وقد كانت التماثيل النصفية للشعراء والحكام والآلهة، والمظلمات المدهشة التي تكشفت عنها آثار بمبي منقولة كما يقول لنا المختصون عن أصول يونانية. ولم يكن هناك فن روماني الأصل سوى الطراز "المركب"، وهو الذي ننفر منه لتعارضه مع فكرتنا عن الوحدة والبساطة والتقيد التي ألفناها في الفن القديم. وما من شك في أن فن رومة في عصر أغسطس كان فناً يونانياً بقضه وقضيضه، فقد انتقلت أشكال الجمال وطرائقه ومثله العليا من بلاد اليونان إلى الفن الروماني عن طريق صقلية وإيطاليا اليونانية، وعن طريق كمبانيا وإتروريا،