طرازاً عاماً في النقش ومثلاً أعلى له، وقدس تقديساً يبعث على الأمل والسآمة. وأكثر من هذه النقوش إلفاتاً للنظر واسترعاء للانتباه التماثيل النصفية التي هي بمثابة معجم من البرونز والرخام لجميع وجوه الزمان من عهد بمبي إلى عهد قسطنطين. وهذه أيضاً قد اتخذ بعضها مثلاً أعلى وخاصة رأسا يوليوس وكلوديوس، ولكن النزعة الواقعية التسكانية القديمة ومغميات الموتى التي لم يكن فيها شيء من المجاملة والملق، والتي لم تكن تغيب قط عن أعين المثالين، قد جعلت الرومان لا يستنكفون قط أن يمثلوا بمعارف قبيحة على شرط أن يظهروا في تماثيلهم أصحاء أقوياء. وقد أوصى الكثيرون منهم بتماثيلهم للميادين والأماكن العامة، وبلغت هذه التماثيل الموصى بها من الكثرة حداً خيل معه في وقت من الأوقات أن الذين يملكون رومة من الموتى أكثر ممن يملكونها من الأحياء؛ وقد بلغ من حرص بعض الكبراء على أن توضع تماثيلهم في الأماكن أنهم لم يصبروا حتى تنصرم آجالهم، فأقاموا لأنفسهم تماثيل قبل وفاتهم. ودفعت الغيرة الأباطرة إلى تحريم هذه العجلة في التخليد حتى تتسع رومة للأحياء من أبنائها.
وأعظم التماثيل النصفية الملونة هو التمثال المعروف باسم "رأس قيصر" المصنوع من حجر البازلت والمحفوظ في متحف برلين. ولسنا نعرف من الذي يمثله هذا التمثال النصفي رغم هذه التسمية، ولكن شعره القليل، وذقنه المحدد، ووجهه الرفيع البارز العظام، وما فيه من خطوط عميقة دالة على كثرة القلق والتفكير، والعزيمة المستسلمة للحقائق بعد أن زالت عن الأعين غشاوتها وعن العقول أوهامها، كل هذه تتفق مع صفات قيصر الذي تعزو إليه الرواية هذا التمثال.
ويلي هذا التمثال النصفي في القدر مباشرة التمثال الضخم الذي يمثل رأس قيصر والمحفوظ الآن في نابلي: وفي هذا التمثال تعمقت أخاديد الوجه حتى نمت عن حقد ومرارة، كأن هذا الجبار قد عرف آخر الأمر أن ليس في العالم عقل