ويتناولون المرطبات، ويستمتعون بضروب التسلية، ويتعلمون في الحمامات؛ ويتفيئون ظلال مئات من الأروقة ذات العمد، ويمشون تحت القباب والعقود المنقوشة المزينة التي كانت تغطي أميالاً كثيرة من شوارع رومة، وتغطي ثلاثة أميال في تاريخ المريخ وحده، ولم يشهد العالم قبل رومة عاصمة مثلها، فقد كان في وسطها سوق عجابة صخابة تدور فيها رحى العمل بلا انقطاع، وتتردد في جنباتها أصداء أصوات الخطباء، وتدور فيها المناقشات التي تزلزل قواعد الإمبراطورية، ومن حولها حلقة من الهياكل، والباسلقات، والقصور، ودور التمثيل، والحمامات، في كثرة منقطعة النظير؛ وتحيط بهذه الحلقة حلقة أخرى من الحوانيت مكتظة بالبائعين والمشترين، تدوي فيها أصواتهم، وتليها حلقة ثالثة من البيوت والحدائق، فخلقة رابعة من المعابد والحمامت مرة ثانية، وتنتهي بدائرة من القصور الريفية الصغيرة ذات الحدائق، ثم الضياع التي تدفع بأطراف المدينة إلى الريف وتربط الجبال بالبحر. هذه هي رومة القياصرة-مزهوة، قوية، براقة، مادية، قاسية، ظالمة، مشوشة غير منظمة، سامية رفيعة الذرى.