أميال. وكان مقياس مهارة السائق هو قدرته على أن يدور حول الأهداف (العمد) بأسرع وأحد ما يستطيع من غير أن يتعرض للخطر، وكثيراً ما كان المتسابقون يصطدمون في هذه الأماكن فتقع المآسي المروعة التي يكون ضحاياها الرجال والمركبات والحيوانات. فإذا ما وصلت الخيل أو المركبات إلى أهدافها قام النظارة، وكأنهم قد استيقظوا من سبات عميق، وماج بهم المكان كما يموج البحر المتلاطم، وأخذوا يشيرون بأيديهم وأجسامهم، ويلوحون بمناديلهم، ويصيحون، ويبتهلون، ويثنون، ويلعنون، ويهللون وهم في نشوة غير طبيعية. وكان التصفيق الذي يحيا به الفائز يسمع على مسافة بعيدة خارج أسوار المدينة.
وكان أعظم المناظر روعة وفخامة منظر الاحتفالات الرومانية التي تمثل فيها المعركة البحرية الرائمة. وكانت أول معركة بحرية كبيرة من هذا النوع هي التي دارت بأمر قيصر في حوض كبير احتفر لهذا الغرض خاصة في خارج حدود المدينة. ولما أراد أغسطس أن يهدي الهيكل الذي أقامه "للمريخ المنتقم" إلى هذا الإله أمر أن تدور معركة بحرية تمثل معركة سلاميس بين ثلاثة آلاف مقاتل في مياه بحيرة صناعية طولها ألف وثمانمائة قدم وعرضها ألف ومائتا قدم. وقد سبق القول إن كلوديوس احتفل بإتمام نفق فوسين Fucine بتمثيل معركة اقتتلت فيها سفن من ذوات الصفوف الثلاثة والأربعة من المجاديف، عليها نحو تسعة عشر ألف رجل. ولكن القتال جرى في رقة أغضبت الإمبراطور واضطرته إلى أن يرسل جنوداً إلى السفن لكي يضمن قدراً كافياً من سفك الدماء (١٠٦). ولما احتفل بتدشين الكولوسيوم أمر تيتس بأن تغرق حلبتها بالماء وأن تمثل فيها معركة الكورنثيين والكرثينيين التي أعقبتها حرب البلوبونيز. وكان المقتتلون في هذه المعارك من أسرى الحروب أو المجرمين المحكوم عليهم بالإعدام؛ وكانوا يقتتلون بحق ويقتل بعضهم بعضاً حتى يفنى أحد الفريقين؛ فإذا ما تبين