وفي ربيع عام ١٢٩ أبحر إلى إفسوس. ثم رحل مرة أخرى إلى آسية الصغرى، وكان ينشئ المدن ويشيد المباني أينما حل. وسافر إلى كبدوكيا، وفتش حاميتها. ولما جاء إلى أنطاكية وهبها المال اللازم لبناء قناة لماء الشرب، وهيكل، ودار للتمثيل، وحمامات عامة. وزار في خريف ذلك العام تدمر وبلاد العرب، ثم رحل في عام ١٣٠ إلى أورشليم. وكانت المدينة المقدسة لا تزال مخربة، لا تكاد تفترق في شيء عما تركها عليه تيتس قبل ذلك الوقت بستين عاماً، يسكنها عدد قليل من اليهود الفقراء المساكين يقيمون في حظائر وأكواخ بين الصخور. وتأثر قلب هدريان وخياله بما شاهده من آثار الدمار والتخريب بمكانها المقفر. لقد كان يرجو بما شاهده في بلاد اليونان والشرق الهلنستي وما أعاده إليهما من مظاهر الفخامة أن يقيم الحواجز بين الحضارة اليونانية- الرومانية وبين العالم الشرقي إلى أعلى مما كانت قبل؛ أما الآن فقد أصبح يحلم بأن يحول صهيون نفسها إلى قلعة وثنية، فأمر أن يعاد بناء أورشليم لتكون مستعمرة رومانية وأن تسمى إبليا كبتولينا، تخليداً لذكرى قبيلة هدريان وكبتول جوبتر في رومة. وارتكب بعمله هذا خطأ نفسانياً وسياسياً كان خليقاً أن لا يرتكبه رجل من أوسع الساسة عقلاً وأعظمهم حكمة في التاريخ كله. ثم انتقل إلى الإسكندرية (١٣٠)، وابتسم ابتسامة الرجل المتسامح الواسع الأفق حين أبصر أهلها المتخاصمين المتشاحنين. وزاد محتويات المتحف، وأعاد بناء ضريح بمبي، ثم عمل ما لم يعمله قيصر، فأرخى لنفسه العنان وصعد في النيل على مهل بصحبة زوجه سبينا، وحبيبه أنتنؤوس Antino (s. وكان قد التقى بالفتى اليوناني في بيثينيا قبل ذلك الوقت ببضع سنين، وأعجبه جمال الشاب ذي الوجه المستدير، والعينين الرقيقتين، والشعر الملتوي، واتخذه خادماً خاصاً له، وشعر نحوه بعاطفة قوية وحب عظيم. ولم يصل إلينا ما يدل على أن سبينا احتجت على هذه الصلة، ولكن ألسنة السوء