نقص في الخمر، والزيت، والقمح، بشراء هذه الأصناف وتوزيعها على الناس من غير ثمن. وواصل تنفيذ منهاج هدريان في البناء في إيطاليا، وفي الولايات، ولكنه سار فيه باعتدال؛ ومع هذا كله فقد دبر مالية الدولة بكفاية كانت نتيجتها أن وجد في خزانتها كلها بعد وفاته ٢،٧٠٠،٠٠٠،٠٠٠ سسترس، وكان ينشر على الناس إحصاء بجميع الإيرادات والنفقات، ويعامل مجلس الشيوخ على أنه هو عضو من أعضائه لا أكثر، ولم يقدم قط على عمل خطير إلا بعد استشارة زعمائه. وكان يعني بدقائق الشئون الإدارية عنايته بالمشاكل السياسية؛ "فكان يهتم بجميع الناس وبجميع الأشياء كأنهم أهله وكأنها ملكه الخاص"(٣٦). وواصل سياسة هدريان بصبغ القانون بصبغة الحرية، وجعل عقوبة الزنى متساوية على الرجال والنساء، وحرم السادة القاسين من عبيدهم، وقيد تعذيب العبيد في المحاكمات بقيود شديدة، وفرض أشد العقوبات على كل سيد يقتل عبداً له. وشجع التعليم برصد المال له من قبل الدولة، وعلم أبناء الفقراء على نفقتها، ومنح المعلمين والفلاسفة المعترف بهم كثيراً من امتيازات طبقة أعضاء مجلس الشيوخ.
وحكم الولايات أحسن حكم مستطاع دون أن يطوف بها، فلم يغب قط عن رومة أو ما جاورها يوماً واحداً في أثناء حكمه الطويل؛ وكان يكتفي بأن يعين لحكم الولايات رجالاً من ذوي الكفاية المخبورة والشرف الموثوق به. وكان يحرص على سلامة الإمبراطورية دون الاشتباك في حروب؛ "ولم يكن ينقطع قط عن ترديد قول سبيو إنه يفضل الاحتفاظ بحياة مواطن واحد على قتل ألف عدو"(٣٧). على أنه قد اضطر أن يخوض غمار بعض الحروب الصغرى ليخمد ما نشب من الثورات في داشيا، وآخبة، ومصر؛ ولكنه عهد بهذه الواجبات إلى مرؤوسيه، ولم يسع إلى توسيع رقعة الدولة بل اكتفى بالحدود التي رسمها لها هدريان وراعى في رسمها جانب الحذر. وحسبت بعض القبائل الألمانية لينة هذا