في وقت من الأوقات أكثر مما كانت وقتئذٍ إتحاداً وتماسكاً في زحفها، ولم تهدد رومة في يوم ما أشد من تهديدها إياك في ذلك الوقت. وأقدم ماركس على العمل الحاسم بسرعة أدهشت الناس جميعاً، فنبذ ملاذ الفلسفة، وقرر أن ينزل بنفسه إلى الميدان ليخوض غمار الحرب التي تنبأ بأنها ستكون أخطر الحروب التي خاضتها رومة منذ أيام هنيبال، وروع إيطاليا بتجنيد رجال الشرطة، والمجالدين والعبيد، وقطاع الطرق، ومرتزقة البرابرة، في فيالقه التي حصدتها الحروب والأوبئة. وحتى الآلهة نفسها قد جندها لأغراضه: فقد أمر كهنة الأديان الأجنبية أن يقربوا القرابين إلى رومة حسب طقوسهم المختلفة، وحرق هو نفسه من الضحايا على المذابح ما جعل أحد الفكهين يذيع رسالة بعثت بها إليه ثيران سود، ترجوه فيها ألا يسرف في الانتصار وتقول فيها:"ما أشد خسارتنا إذا انتصرت"(٥٥). وأراد أن يوفر المال اللازم للحرب دون أن يفرض لها ضريبة خاصة فباع بالمزاد العلني في السوق العامة ما في القصور الإمبراطورية من خزانات الثياب، والتحف الغنية، والحلي. وأعد العدة للدفاع بعناية عظيمة- فحصن المدن القائمة على الحدود من غالة إلى بحر إيجة، وسد الممرات الموصلة إلى إيطاليا، وأغرى القبائل الألمانية والسكوذية بالرشا السخية على الهجوم على مؤخرة الغزاة. ثم درب جيشه ونظمه أحسن تدريب وتنظيم بجد وشجاعة تثيران أعظم الإعجاب لمجيئهما من رجل يكره الحرب. ثم قاد الجيش بنفسه في حرب عوان وضع خططها بمهارة وقدرة حربية فنية، وفك الحصار عن أكويليا، وطارد المحاصرين وبدد شملهم عند نهر الدانوب، حتى لم يكد ينجو منهم من القتل إلا من وقع في الأسر.
ولم يكن يخفي عليه أن أعماله هذه لم تقض على الخطر الألماني، ولكنه حسب أن ما أدركه يجعل الموقف آمناً إلى حين، فعاد إلى زميله إلى رومة؛ ولكن لوسيوس قضى نحبه في الطريق بالسكتة القلبية، غير أن الشائعات، كالسياسة، لا تعرف سبيلاً إلى الرحمة، فقالت إن ماركس دس