للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قد اختار الهجاء لأنه من الأساليب التي تميز الرومان من غيرهم من الشعوب. وأنه وجد أمثلة يحتذيها، ومادة يقتبسها في كتابات لوسليوس، وهوراس، وبرسيوس؛ وصاغ سخطه وغضبه على أساس المباديء البيانية التي تعلمها في المدرسة. والحق أنا لا نعرف مقدار التقدم الذي خلعه على الصورة التي في ذهننا عن رومة الإمبراطورية، وما كان يجده الكُتّاب والشعراء من لذة في التشهير والسباب.

ويتخذ جوفنال كل شيء موضوعاً لشعره. وهو لا يجد قط مشقة في أن يجد في كل شيء ناحية تتحمل الذم، ويظن "أننا قد وصلنا إلى الدرجة القصوى في الرذيلة، وأن من يأتون بعدنا لن يستطيعوا أن يتفوقوا فيها علينا" وهو صادق في هذا. ولقد كان أصل البلاء كله طلب الثروة بجميع الوسائل الطيب منها والخبيث. وهو يسخر من العالمة الذين كانوا في الأيام الخالية يحكمون الجيوش ويخلعون الملوك، ولكنهم أضحوا الآن يُشترون بالخبز والألعاب (٢٣). وتلك عبارات من مئات العبارات التي خلدها جوفنال بقوته وحيويته. وهو يستنكر ذلك السيل المتدفق من الوجوه، والثياب، والأساليب، والروائح، والآلهة الشرقية؛ ويحتج على نزعة اليهود القبلية، وأقل من يحبه من الخلق هو "اليوناني القميء الشره" وهو السلالة المنحطة لشعب كان من قبل عظيماً ولكنه لم يكن قط شريفاً. وهو يظهر اشمئزازه من المخبرين، أشباه رجيلس Regulus الذي يصفه بلني، والذين يثرون بنقل ما ينطق به الأفراد من عبارات "غير وطنية"؛ ومن الذين يجرون وراء الوصايا فيحومون حول من لا أبناء لهم من الطاعنين في السن؛ ومن حكام الولايات الذين يعيشون طول حياتهم عيشة الترف بما يبتزونه من الأموال في أثناء حكمهم؛ ومن المحامين النابهين الذين يطيلون القضايا كما يطيل العنكبوت نسيجه الذي يتبرزه من بطنه؛ وأشد ما يعافه هو الإفراط في الصلات الجنسية والشذوذ الجنسي: الخليع المتهتك الذي إذا تزوج وجد أن عهره قد جعله ضعيفاً عاجزاً؛ ومن الشبان المنافقين الذين لا نستطيع أن نميزهم من النساء لتشبههم بهن