انضم إلى تاستس في محاكمة ماريوس برسكس لخيانته وقسوته في أثناء ولايته على أفريقية. وصحح كلا الخطيبين خطبة صاحبه، وأثنى عليه أجمل الثناء. وأشاد تاستس بلني ورفعه إلى عنان السماء، حين قال إن عالم الأدب اعترف بهما زعيمي الكتاب في عصرهما (٣٩). وكان يعرف مارتيال، ولكنه يعرف من بعيد معرفة الأرستقراط. واستصحب معه ستونيوس إلى بيثينيا، وساعده على التمتع بميزة من "له ثلاثة أبناء" دون أن يكون له إبن واحد. وكان محيطه يطن بهواة الأدب والموسيقى، وبمن ينشدون الشعر ويلقون الخطب على الجماهير. وفي ذلك يقول العالم بواسييه Boissier: " لست أعرف أن الأدب كان يحبه الناس في عصر من العصور بالقدر الذي كان يحبه به أهل ذلك العصر"(٤٠). فقد كانوا يدرسون هومر وفرجيل على ضفاف الدانوب؛ وكانت البلاغة تزلزل نهري الرين والتيمز. لقد كان النصف الأعلى من ذلك المجتمع ظريفاً، أنيساً، محبوباً، غنياً بما فيه من أزواج متحابين، وآباء عاطفين، وسادة رحماء، وأصدقاء أوفياء، ومجاملات لطيفة. وقد جاء في إحدى الرسائل:"إني أقبل دعوتك للعشاء، ولكني أشترط عليك مقدماً أن تأذن لي بالخروج بعد قليل، وأن تكون مقتصداً فيما تقدمه إلي، وألا تجعل مائدتنا تزدحم إلا بالأحاديث الفلسفية، وحتى هذه دعنا نستمتع بها في نطاق محدد"(٤٢).
وكان أكثر الرجال الذين يصفهم بلني من الأشراف الجدد الذين نشأوا في الولايات. ولم يكن هؤلاء ممن لا يقومون بعمل، لأنك لا تكاد تجد واحداً منهم لا يشغل منصباً عاماً أو لا يشترك في الإدارة البارعة التي كانت تدير شئون الإمبراطورية في عهد تراجان. وقد عُيّن بلني نفسه والياً على بيثينيا بعد أن كان بريتوراً في رومة ليعيد إلى بعض مدنها مقدرتها على أداء ديونها. وتشمل رسائله بعض الأسئلة الموجهة إلى الزعيم، ومعها إجابات