الخامس. وقد كان تفوق شمالي إيطاليا على سائر أجزائها في خصب التربة، وفي جوه الصحي المنشط الباعث على العمل، وفي موارده المعدنية، وفي صناعاته المختلفة المتنوعة، وتجارته النهرية القليلة النفقة، كان تفوقه في هذا كله مما سما به من الناحية الاقتصادية على وسط إيطاليا في القرن الأول الميلادي ومن ناحية الزعامة السياسية في القرن الثالث.
ولم ينشأ على الساحل الشرقي في جزئه الممتد جنوبي أرمنينم وشمالي برنديزيوم إلا عدد قليل من المدن الهامة، وذلك لأن هذا الساحل صخري كثير العواصف قليل المرافئ. بيد أنه كان في أمبريا Umbria، وبسينم، وسمنيوم، وأبوليا، بلدان صغرى كثيرة لا يستطاع الحكم على ثرائها وفنها إلا بدراسة أنقاض بمبي، ومن هذه البلدان أسسيوم Assisum مسقط رأس بروبرتيوس والقديس فرانسيس؛ ومنها سرسينا Sarsina التي وُلد فيها بلوتس Blautus؛ وأمتيرنم Amiternum مسقط رأس سلست Sallust وسلمو Sulmo التي شهدت مولد أوفد، وفنوزيا التي شهدت مولد هوراس. ولم تشتهر بنفنتم بهزيمة برس فحسب بل اشتهرت كذلك بقوس النصر العظيم الذي أقامه فيها تراجان وهدريان. وقد قصّ هدريان في نقوشه الواضحة على هذا العمود قصة أعماله المجيدة في الحرب والسلم. وكانت برتديزيوم القائمة على الساحل الجنوبي الشرقي تشرف على طرق الاتصال في دنماشيا وبلاد اليونان والشرق. وعند "عقب" إيطاليا كانت تقوم مدينة دلماشيا وبلاد اليونان والشرق. وعند "عقب" إيطاليا كانت تقوم مدينة تارنتم، وكانت من قبل دولة - مدينة عزيزة الجانب، ولكنها لم تكن الوقت الذي نتحدث عنه إلا مشتى آخذاً في الاضمحلال لكبار الموظفين والأشراف الرومان. وفي جنوبي إيطاليا استولى أصحاب الضياع الكبيرة على معظم الأراضي وحولوها إلى مراعٍ للماشية؛ ففقدت المدن من كانت تعتمد عليهم من المزارعين، واضمحلت طبقاتها من التجار وأرباب الأعمال، وأفل نجم العشائر اليونانية التي كانت تنفق أموالها بسخاء في الأيام السابقة، وذلك بسبب تسرب