يزيد بهاءها وجاذبيتها قيامها بين الجبال والبحر. هنا كان يلهو قيصر وكلجيولا ونيرون، وهنا كان الرومان المصابون بداء الرئة يأتون ليستحموا في مياه عيونها المعدنية. وكانت المدينة تجني فوائد كثيرة من اشتهارها بالقمار وبالفساد الخلقي؛ وها هو ذا فارو Varro يقول إن فتياتها كنّ مُلكاً مُشاعاً، وإن كثيرين من فتياتها كانوا بنات (٢)، وكان كلوديوس يرى أن شيشرون قد جلله عار لا يمحى أبد الدهر لأنه سافر مرة إلى هذه البلدة (١٠). ويقول سنكا متسائلاً:"أتظن أن كاتو كانت تحدثه نفسه بأن يقيم في قصر مليء بأسباب اللهو والسرور، يستطيع وهو فيه أن يحصي عدد من يمر به أمام عينه من النساء القاصرات اللائي يملأن القوارب والسفن الكثيرة الأنواع المطلية بكافة الألوان، والورود التي تتمايل حول البحيرة؟ "(١١).
وعلى بعد بضعة أميال قليلة شمال بايا، في فوهة بركان خامد، كانت بحيرة أفيرنس Avernus تبعث في الجو دخاناً كبريتيا بلغ من قوته أن وصفته الأساطير بقولها أنه ما من طائر يطير فوقه ويبقى حياً. وكان بالقرب من الكهف الذي شقّ إنياس طريقه السهل إلى الجحيم كما جاء في ملحمة فرجيل.
وفي شمال البحيرة كانت مدينة كومي Cumae القديمة، وقد أخذت تحتضر في ذلك الوقت بعد أن قامت إلى جانبها غبنتها مدينة نيوبوليس التي كانت أكثر منها جاذبية، ولوجود مرفأين بجوارها أكثر أمناً من مرفئها وهما بتيولي وأستيا، ولتقدم الصناعة في كبوا Capua. وكانت كبوا تبعد عن شاطئ البحر في الداخل نحو خمسين ميلاً وتقوم في إقليم خصيب كان ينتج في بعض الأحيان أربع غلات في العام (١٢)؛ ولم يكن في إيطاليا كلها ما يضارع ما فيها من مصانع البرنز والحديد. وقد جازتها روما على مساعدتها هنيبال جزاء أضر بها قرنين من الزمان عجزت فيهما عن أن تفيق من كبوتها، ووصفها شيشرون