وما أقل الكتب التي تحوي كل ما يحتويه هذا الكتاب من السخف، ولكن أقل منها ما يعبر عنه سخفه بعبارة تماثل عبارة هذا الكتاب في طلاوتها. ذلك أن أبوليوس يحاول فيه كل أنواع الأساليب، ويلبس كل أسلوب حاوله أجمل لباس؛ وأكثر ما يحبه من الأساليب، هو الأسلوب المطنب المنمق المسجوع المتجانس الأحرف في بداءة الألفاظ، المليء بالعبارات العامية الطريفة، والألفاظ القديمة المهجورة، والكلمات المصغّرة العاطفية، والنثر الموزون الشعري في بعض المواضع. وقصارى القول أن الكتاب يضم إلى الأسلوب الشرقي القوي ما في الشرق من غموض وشهوانية (١). ولعل أبوليوس قد أراد أن يشير من طرف خفي، مستنداً إلى تجاربه الخاصة، إلى ان الانهماك في الشهوة الجنسية يذهب بالعقل ويبدّل الآدميين بهائم، والى أن السبيل الوحيدة التي يعودون بها إلى آدميتهم اقتطاف زهرة الحكمة والصلاح. وهو يبدو أحسن ما يكون في القصص العارضة التي يلتقطها بأذنيه القويتين الدوارتين؛ كما نرى في قصة العجوز التي تسلي فتاة بأن تروي لها قصة كيوبت وسيكي (١٧) - فتخبرها كيف وقع ابن الزهرة (فينوس) في حب فتاة حسناء، وهيأ لها كل أنواع السرور إلا سرورها برؤيته، وأثار غيرة أمه الشديدة، ثم نالت آخر الأمر سعادتها في السموات العلى. ولسنا نعرف مصوراً، بز بقلمه لسان هذا الأشيب السليط، في رواية هذه القصة القديمة.
(١) لسنا ندري لمَ يصف الشرق بالشهوانية وأية شهوانية في الشرق تفوق ما وصف به هو نفسه عصر نيرون وغيره من الأباطرة في هذا الكتاب. (المترجم)