للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الناس الفضيلة والبطولة بضرب الأمثلة من التاريخ، وحتى سيره المتماثلة Parallel Lives كانت في ذهنه دروساً في الأخلاق، ولهذا تراه على الدوام معلّماً لا يترك فرصة تمر دون أن يستخلص مغزى خلقياً من كل قصة، وما من أحد قد قام بمثل هذا العمل أجمل مما قام به هو. وهو يحذرنا في سيرة الاسكندر بقوله إنه يهتم بالأخلاق أكثر من اهتمامه بالتاريخ، ويأمل أنه حين يجمع بين عظماء الرومان وعظماء اليونان ويوازن بينهم يستطيع أن يبعث في نفوس قرائه دوافع للخلق الطيّب وللبطولة. وهو يعترف اعترافاً صريحاً لا يسعنا نعه إلا أن نعفو عن زلاته بأنه قد صلُحَ حاله لطول صحبته لأولئك الرجال الممتازين (٣).

وليس من حقنا أن نتوقّع في كتاباته دقة المؤرخ الحق ونزاهته، فكتابه مليء بالأغلاط في أسماء الناس، والأمكنة، والتواريخ، وتراه أحياناً (إذا جاز لنا أن نصدر حكماً عليه) يُخطئ في فهم الحوادث، بل إنه لَيُقصّر في واجبين كبيرين من واجبات كل كاتب سِيسَر - وهما أن يبين أن أي شيء في أخلاق المترجم له وأعماله يرجع إلى الوراثة أو البيئة أو الظروف، وأن يتتبّع تطور أخلاقه خلال نموّه، وما يلقى عليه من التبعات وما يقع فيه من أزمات. بل إنّا لنخرج من كتاب أفلوطرخس كما نخرج من كتاب هرقليطس بأن خُلُق الإنسان مقدرٌ له. ومع هذا فما من إنسان قرأ كتاب "السير" ثم أحس بعد قراءته بما فيه من عيوب، ذلك بأن هذه العيوب تخفي كلها في روايته الواضحة، وحوادثه المثيرة، وقصصه الفاتنة الساحرة، وتعليقاته الحكيمة، وأسلوبه الجزل. وليس في صفحاته البالغ عددها ألفاً خمسمائة سحر واحد يحس القارئ أنه حشو لا ضرورة له، بل إن كل جملة من جمله لها شأنها معناها. وقد شهد بفضل الكتاب مائة من عظماء الرجال - منهم قواد عسكريون، ومنهم شعراء وفلاسفة، فقالت عنه السيدة رولان Roland " إنه مَرْبع النفوس العظيمة" (٤). وكتب عنه منتاني يقول: