إلى أيزيس بصور وتماثيل تحمل بين ذراعيها حورس ابنها الإلهي، ويسمونها في الأوراد والأوعية "ملكة السماء"، و "نجم البحر"، و "أم الإله"(٨٨). وكانت هذه الطقوس أقرب العبادات الوثنية إلى المسيحية، لما انطوت عليه قصة الإلهة من الحنو والرأفة، وما اختصّت به طقوسها من الرقّة، وما كان يسود هياكلها من جو مرح خالٍ من العنف، وما تشتمل عليه صلواتها المسائية من ألحان موسيقية مؤثرة، وما يقوم به كهنتها حليقو الرؤوس ذوو الثياب البيض من أعمال البر والخير (٨٩)، وما كانت تتيحه هذه الإلهة لهؤلاء الكهنة من فرص لمواساة النساء وإدخال السرور على قلوبهنّ، ولترحيبها الشامل بالناس جميعاً على اختلاف أممهم وطبقاتهم. وانتشر دين إيزيس من مصر إلى بلاد اليونان في القرن الرابع قبل الميلاد، ثم انتشر إلى صقلية في القرن الثالث، وإلى إيطاليا في القرن الثاني، ثم انتشر بعدئذ في جميع أجزاء الإمبراطوريّة. وقد عُثر على صورها المقدّسة على ضفاف نهري الدانوب والسين، وكُشف عن آثار معبد لها في لندن (٩٠).
وقصارى القول أن شعوب البحر الأبيض المتوسط لم تنقطع قط عن عبادة لم للنساء من قوة مقدّسة خلاقة، وما يتصفن به من رعاية للأمومة.
وكانت عبادة مثراس Mithras الإله الذكر تنتقل في هذه الأثناء من فارس إلى أقصى تخوم الإمبراطوريّة الرومانية؛ وكان مثراس هذا في المراحل المتأخرة من الدين الزرادشتي إبن أهورا- مزدا إله النور، وكان هو أيضاً إلهاً للنور، والحق، والطُهر، والشرف؛ وكان يُقال أحياناً إنه هو الشمس، وإنه يقود الحرب العالمية ضد قوى الظلمة، وإنه يشفع على الدوام لأتباعه عند أبيه، ويحميهم، ويُشجّعهم في كفاحهم الدائم للشر والكذب، والدَنَس، وغيرها من أعمال أهرمان أمير الظلام. ولمّا أن نقل جنود بمبي هذا الدين من