وتؤوى عدداً كبيراً من الأسر؛ وأخيراً ترى أهل "أوقيانوسيا" يشيدون دُوراً حقيقية من ألواح الخشب التي أتقن قطعها وبهذه الدور وصل التطور في المساكن الخشبية أكمل مراتبه (٣٠).
لم يبقى أمام الإنسان البدائي إلا ثلاث خطوات في طريق التطور لتتم له ضرورات المدنية الاقتصادية كلها: آلات النقل، وعمليات التجارة، ووسائل التبادل، إنك إذا أبصرت بالحمّال يحمل المتاع من طيارة حديثة لينزله على الأرض، فقد رأيت صورة النقل في أول مراحله وفي آخر مراحله معا؛ فلاشك أن قد كان الرجل في بداية الأمر يحمل أثقال نفسه بنفسه، اللهم إلا إذا تزوج (فتكون الزوجة حاملة أثقاله) بل إن الإنسان إلى يومنا هذا، في آسيا الجنوبية والشرقية، تراه في الأعم الأغلب عربة وحمارا وكل شيء؛ ثم أخترع الإنسان الحبال والروافع وبكرات الجر؛ سيطر على الحيوان واستخدمه ناقلا لأحماله؛ ثم صنع أول ما شهد التاريخُ من جرارات حين جعل ماشيته تجر على الأرض غصوناً طويلة وضع عليها متاعه (١)؛ ثم وضع جذوعا من الشجر تحت الجرارة كأنها عجلات؛ ثم قطع الجذوع شرائح مستعرضة وابتكر بذلك أعظم اختراع آلي، وهو العجلة، لأنه وضع العجلات تحت الجرارة وصنع بذلك عربة؛ ومن جذوع الشجر كذلك صنع الأطواف بربط الجذوع بعضها ببعض، كما صنع الزوارق بحفر الجذوع وتفريغ أجوافها، ولما تم له ذلك أصبحت مجاري الماء أيسر طرق النقل؛ وأما على اليابس فقد شق لنفسه الطريق بادئ ذي بدء عبر المروج والتلال التي لم يكن فيها طريق؛ ثم عبَّد لنفسه سكةً ثم رصف آخر الأمر طريقاً، ودرس النجوم وأخذ بعدئذ يسير بقوافله عبر الجبال والصحراوات مهتدياً إلى طريقه بالنظر إلى السماء؛ وطفق الإنسان يسبح بزورقه دافعا إياه بالمجداف والشراع حتى عبر البحر في شجاعة من جزيرة إلى جزيرة، وأخيراً قطع
(١) الهنود الأمريكيون قد اكتفوا بهذه المرحلة ولم يستخدموا العجلات.