يتملّقوا معذّبهم، أو تنحدر من أعينهم دمعة واحدة، بل إنهم كانوا يتبسّمون وسط آلامهم المبرحة، ويضحكون ساخرين ممن يعذبونهم، ويجودون بأرواحهم وهم مبتهجون، كأنهم يتوقعون أن تعود لهم هذه الأرواح مرة أخرى" (٣٢).
أولئك هم الصدوقيون، الفريسيون، والإسينيون، أشهر الشيع الدينية اليهودية في الجيل السابق لميلاد المسيح. أما الحكمون (Scribes) الذين يضمهم يسوع إلى الفريسيين في كثير من الأحيان فلم يكونوا شيعة من شيع اليهود بل كانوا أبناء مهنة خاصة؛ كانوا علماء متفقّهين في الشريعة، يحاضرون فيها في البيَع، ويعلمونها في المدارس، ويناقشونها في المجتمعات العامة والخاصة، ويطبقونها على الأحكام في القضايا المختلفة. وكان عدد قليل منهم أحباراً، وبعضهم صدوقيين، وكثرتهم فريسيين. وكانوا في القرنين السابقين لهلل كما كان الأحبار من بعده. كانوا هم فقهاء القانون في بلاد اليهود، وقد صارت فتاواهم القانونية، التي صفاها الزمان، وتداولتها الألسن، وانتقلت بالسمع من المعلم إلى التلميذ، صارت هذه الفتاوى جزءاً من الأحاديث الشفوية التي كان يعظمها الفريسيون كما يعظمون الشريعة المكتوبة، وبفضل ما كان لهم من نفوذ وسلطان نمت شرائع موسى حتى ضمت آلافاً من التعاليم المفصلة التي تواجه كل ظروف الحياة وأحوالها.
وأقدم شخصية واضحة معروفة بين معلمي القانون من غير رجال الدين هي شخصية هلل، وحتى هذه الشخصية الواضحة تكاد تخفي معالمها في ذلك النسيج الواهي من الخرافات التي حاكها حول اسمه الخلف المفتتن به. ويقول مؤرخوه انه ولد في مدينة بابل (٧٥ ق. م) من أسرة كريمة معروفة أخنى عليها الدهر. ثم جاء إلى أورشليم بعد أن اكتملت رجولته، وأخذ يعول زوجته وأبناءه بالعمل اليدوي. وكان يؤدي نصف أجره اليومي ثمناً لقبوله في المدرسة التي كان فيها أستاذان شهيران هما شمايا وأبتوليم يشرحان الشريعة. وعجز يوماً من الأيام