باركوشيبا، وإن كان أنطونينس بيوس قد خفف من صرامة مراسيم هدريان، ودخلوا من هذه اللحظة في دور الكهولة، وتخلوا عن كل العلوم الدنيوية ما عدا الطب، ونبذوا الهلنستية على اختلاف صورها، ولم يتلقوا السلوى أو الوحدة إلا من أحبارهم، وشعرائهم الصوفيين وشريعتهم. ولسنا نعرف شعباً آخر قد طال نفيه كما طال نفي اليهود، أو عانى من الأهوال مثل ما عانوا. لقد حرم عليهم أن يدخلوا المدينة المقدسة، وأُرغموا على تسليمها للوثنية ثم للمسيحية، وشُردوا في كل ولاية من ولايات الدولة الرومانية وإلى ما وراء حديد تلك الدولة، وضُربت عليهم المذلة والمسكنة، ولم يجدوا لهم صديقاً حتى بين الفلاسفة والقديسين، فابتعدوا عن المناصب العامة وعكفوا في عزلتهم على الدرس والعبادة، واستمسكوا أشد الاستمساك بأقوال علمائهم، وأخذوا يتأهبون لكتابتها آخر الأمر في تلمود بابل وفلسطين. وهكذا اختبأت اليهودية في ظلمات الخوف والفزع، بينما كانت وليدتها المسيحية تخرج لفتح العالم وسيادته.