للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذا عقل يقظ طلعة، والشاب متّى بلغ الثانية عشرة من عمره في بلاد الشرق أوشك أن يبلغ سن النضوج. لكنه لم يتعلم تعليماً منظماً، وشاهد ذلك أن جيرته كانوا يتسائلون: "كيف يستطيع هذا الرجل أن يقرأ وهو لم يذهب قط إلى المدرسة؟ " (٣٣). وكان يتردد على المجمع الديني، ويستمع إلى تلاوة الكتاب المقدس، ويبدو عليه السرور حين يسمعه. وقد انطبعت في ذاكرته الأقوال الواردة في أسفار الأنبياء والمزامير بنوع خاص، وكان لها أثر كبير في تشكيله. ولعله قرأ أيضاً سفري دانيال وأخنوخ، لأنا نجد في تعاليمه المتأخرة أثراً كبيراً من رؤى المسيح الموعود، ويوم الحشر، ومملكة السماء.

وكان الهواء الذي يتنفسه مشحوناً بالحماسة الدينية، وكان آلاف من اليهود ينتظرون على أحر من الجمر مجيء منقذ إسرائيل. وكان السحر والشياطين، والملائكة، وحلول الشياطين في أجسام الآدميين، وإخراجها، والمعجزات، والنبوءات، والإطلاع على الغيب، والتنجيم، كانت كل هذه عقائد مسلَّم بها في كل مكان. ولعل قصة المجوسي كانت تسليماً لابد منه لعقائد المنجمين في ذلك العصر (٣٤)، وكان السحرة يطوفون بالمُدن، وما من شك في أن عيسى قد عرف شيئاً عن الأسينيين وعن حياة الزهد الشبيهة كل الشبه بحياة البوذيين (١)، وذلك في خلال أسفار جميع الصالحين من يهود فلسطين إلى بيت المقدس في أثناء عيد الفصح. ولعله قد سمع أيضاً عن شيعة تدعى "الناصرة Mazarenes" كان المنتمون إليها يعيشون في بيريه في الناحية الأخرى من نهر الأردن؛ وكانوا يرفضون التعبد في الهيكل، ويأبون التقيد بالناموس (٣٦). ولكن الذي


(١) وكان أشوكا قد بعث بمشيريه البوذيين حتى بلغوا مصر وقوريني غرباً (٣٥)، وأكبر الظن إذن أنه بعثهم إلى بلاد الشرق الأدنى.