في عاصمة الدولة الرومانية صامدة للنقد (١٧): ويحدثنا لكتانتيوس Lactantius عن قدوم بطرس إلى روما في عهد نيرون (١٨)، وأكبر الظن أن الرسول زار روما عدة مرات وكان وهو طليق، وبولس وهو سجين، يبذلان ما وسعهما من جهد ويتنافسان لهداية أهلها حتى استشهد كلاهما في سبيل هذه الغاية، ولعل استشهادهما كان في عام واحد هو عام ٦٤ (١٩). ويروي أرجن أن بطرس "صُلب ورأسه مدلى إلى أسفل، لأنه طلب أن يعذب بهذه الطريقة"(٢٠)، ولعله كان يأمل أن يكون الموت بها أسرع إليه أو (كما يقول المؤمنون) لأنه يرى أنه غير خليق بأن يموت بالطريقة التي مات بها المسيح. وتقول النصوص القديمة إن زوجنه قتلت معه، وإنه أرغم على أن يراها تساق للقتل (٢١). وتحدد إحدى القصص المتأخرة حلبة نيرون، القائمة في ميدان الفاتكان، موضعاً لمقتله وفي هذا المكان شُيّدت كنيسة القدّيس بطرس، وقيل إنها تضم عظامه.
وما من شك في أن تجواله في آسية الصغرى وروما قد ساعد على الاحتفاظ بكثير من العناصر اليهودية في الدين المسيحي. فقد ورث هذا الدين عنه وعن غيره من الرسل ما في الدين اليهودي من توحيد، وتزمّت، واعتقاد في البعث والنشور؛ وهذه الرحلات ورحلات بولس هي التي جعلت العهد القديم الكتاب المقدّس الوحيد الذي عرفته المسيحية في القرن الأول، وظلت المجامع اليهودية أهم الأماكن التي تُبَث فيها الدعوة المسيحية كما ظل اليهود أهم الجماعات التي تُبَث بينهم هذه الدعوة حتى عام ٧٠ م. ولهذا انتقلت إلى الطقوس المسيحية أشكال العبادات العبرانية واحتفالاتها وملابسها. وتسامى حمل بسكال فصار هو حمل الله المكفّر عن الخطايا في القداس الكاثوليكي. كذلك أخذت المسيحية عن أساليب اليهود في إدارة المجامع تنصيب جماعة من الكبراء (برزبتيري أي قساوسة) لتولي شئون الكنائس. وقبلت المسيحية فيها كثيراً من الأعياد اليهودية كعيد الفصح وعيد العنصرة، وإن كانت قد غيرت أشكالها وتواريخها. وقد ساعد تشتت اليهود