وصحب الدعاء الطقوس الصحيحة استجاب لهم وأنجاهم من الجحيم، وأشركهم معه في موهبة الحياة الخالدة المباركة (٢٣). وهذه الأديان الغامضة الخفية هي التي أعدّت اليونان لاستقبال بولص وأعدّت بولس لدعوة اليونان.
وبعد أن تعلم الشاب حرفة صنع الخيام، وتلقى العلم في المجمع الديني القائم في المدينة، أرسله أبوه إلى أورشليم وهناك كما يقول بولس نفسه:"تعلم عند قدمي غمالائيل على طريقة الناموس الدقيقة"(٢٤). وكان المشهور عن غمالائيل أنه حفيد هلل، وقد خلفه في رياسة السنهدرين، وواصل السنة القديمة سنّة تفسير الناموس تفسيراً ليّناً راعى فيه ضعف النفس البشرية. غير أن الفريسيين الذين كانوا أكثر منه تزمتاً هالهم أن يجدوه ينظر نظرة ال'عجاب والتقدير للنساء الوثنيات أنفسهن (٢٥). وقد بلغ من علمه أن اليهود، الذين يجلّون العلماء أعظم الإجلال أطلقوا عليه اسم "جمال الناموس"، ولقّبوه بما لم يُلقّب به إلا ستة رجال من بعده وهو "الربان" أي سيدنا. واتخذ بولس عنه وعن غيره تلك الطريقة الحصيفة، والجدلية السفسطائية في بعض الأحيان، في تفسير الكتاب المقدس، وهي التي وضحت في التلمود. وقد بقي بولس إلى آخر أيامه يهودياً في عقله وخُلُقِه على الرغم من تعلمه أوليات الهلنية، ولم ينطق بكلمة يُشتَم منها أنه يشك في شرائع موسى موحى بها من عند الله، وظل يعتقد في عزة وفخار كما يعتقد اليهود أن اختيار الله وحده هو طريق النجاة.
وهو يصف نفسه بقوله:"في الحضارة ذليل بينكم"(٢٦) ويزيد على ذلك: "ولئلا أرتفع بفرط الإعلانات أعطيت شوكة في الجسد ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع"(٢٧). ولا يزيد في وصف نفسه على هذا. وتصوره الروايات المأثورة وهو في سن الخمسين رجلاً زاهداً متقشفاً مقوّس الجسم، أصلع الرأس، ملتحياً عريض الجبهة، أصفر الوجه صارمه، نفّاذ العينين. وعلى هذا النحو تخيله درور