إلى جمال الخلق، براعة في الحكم، وكثيراً من أسباب ثقافة العقل. وقد درست آداب اليونان وفلسفتهم، وتعلمت اللغات اليونانية، والمصرية، والسريانية، وكتبت تاريخاً لبلاد الشرق. ويلوح أنها جمعت بين العفة والقوة والنشاط، فلم تبح لنفسها من العلاقات الجنسية إلا ما يتطلبه واجب الأمومة (٢٠). وعودت نفسها تحمل التعب والمشاق، وكانت تستمتع بأخطار الصيد، وتسير على قدميها أميالاً طوالاً على رأس جيشها. وجمعت في حكمها بين الحكمة والصرامة، وعينت الفيلسوف لنجيبس رئيساً لوزرائها، وأحاطت نفسها في بلاطها بالعلماء والشعراء والفنانين، وجملت عاصمة ملكها بالقصور اليونانية - الرومانية - الأسيوية التي يدهش لها عابر الصحراء في هذه الأيام.
وأحست أن الإمبراطوريّة تتقطع أوصالها، فاعتزمت إقامة أسرة حاكمة ودولة جديدتين، وأخضعت لسلطانها كبدوكية، وغلطية، والجزء الأكبر من بيثينيا، وأنشأت جيشاً عظيماً وعمارة بحرية ضخمة، فتحت بهما مصر واستولت على الإسكندرية بعد حصار هلك في نصف سكانها. وتظاهرت "ملكة الشرق الداهية" أنها تعمل نائبة عن الدولة الرومانية، ولكن العالم كله كان يدرك أن انتصاراتها لم تكن إلا فصلاً من مسرحية واسعة النطاق هي مسرحية انهيار روما.
وعرف البرابرة ثروة الإمبراطوريّة وضعفها، فتدفقوا على بلاد البلقان واليونان. وبينما كان السرماتيون يعيثون فساداً من جديد في المُدن القائدة على شواطئ البحر الأسود، وكان فرع من فروع القوط يسير في خمسمائة سفينة مخترقاً مضيق الهلسبنت إلى بحر إيجة، ويستولي على جزائره جزيرة في إثر جزيرة، ويرسو في ميناء بيريه، وينهب أثينة، وأرجوس، وإسبارطة وكورنثة، وطيبة (٢٦٧). وبينما كان اسطولهم يعيد بعض المغيرين إلى البحر الأسود، كانت جماعة أخرى منهم تشق طريقها براً نحو موطنها على نهر الدانوب. والتقى