الظن، رسالة لطيفة في "السمو" قال فيها أن اللذة الخاصة التي يبعثها الأدب في الإنسان، منشؤها أنها "تسمو" بالقارئ عن طريق الفصاحة التي يستمدها الكاتب من قوة اقتناعه، وإخلاصه ووفائه لأخلاقه (١). وشرع ديوكاسيوس ككيانس من أهل نيقية بيثينيا يكتب تاريخ روما (٢١٠؟) وهو في سن الخامسة والخمسين بعد أن قضى حياته يتقلب في مناصب الدولة. وأتم هذا الكتب في الرابعة والسبعين وقص فيه تاريخ المدينة من روميولوس إلى أيامه ولم يبقَ من هذا الكتاب إلا أقل من نصف أسفاره الثمانين، ولكن هذه الأسفار الباقية تشمل ثمانين مجلداً ضخماً. ويمتاز هذا العمل باتساع نطاقه أكثر مما يمتاز بعلو صفاته، وفيه قصص واضحة حية، وخطب مبينة، واستطرادات فلسفية ليست سخيفة المعنى رثّة العبارات مستمسكة بالقديم، ولكن النبوءات والنذر تفسد الكتاب كما تفسد كتاب ليفي، وهو مثل كتاب ناستس وصف مطول لمعارضة مجلس الشيوخ؛ وهو كجميع كتب التاريخ الرومانية يعنى أكثر ما يعنى بتقلبات السياسة والحرب كأن الحياة لم تكن في ألف عام إلا ضرائب وموت.
وأهم من هؤلاء الرجال الكرام في نظر مؤرخ العقل هو ظهور الرواية الغرامية في هذا القرن. وقد سبقها إعداد طويل تدرج من القبروبيديا لزنزفزن، إلى القصائد الغزلية لكلماكس، إلى القصص الخرافية التي تجمعت حول الاسكندر، "والحكايات الميليثية" التي يرويها أوستيديز وغيره في القرن الثاني قبل الميلاد وما تلا ذلك القرن من أجيال. وقد اعجب بهذه القصص
(١) تعزو اقدم المخطوطات هذا المقال مرة إلى ((دينونيسيوس لنجينس)) ومرة أخرى إلى ((ديونيسيوس أولنجينس))، ولا تذكر شيئاً غير هذا يستدل به على شخصية كاتبه. ولسنا نعرف أديباً يدعى لنجينس في التاريخ القديم إلا كاسيوس لنجينس كبير وزراء زنوبيا. وقد اشتهر في جميع أنحاء الإمبراطوريّة بغزارة علمه حتى لقد سمته يونابيوس Unapius ((مكتبة حية)). ووصفه برفيري ((بأنه زعيم النقاد)) (٣٦).