وقتئذ جنباً إلى جنب، وكانت كلتاهما تسعى لأن تستعين بالأخرى؛ وكانت سياسة أورليان الدينية توصي بأن قوة الدولة آخذة في الاضمحلال، وأن قوة الدين آخذة في الارتفاع، وقد أصبح الملوك وقتئذ ملوكاً بنعمة الله. وكانت هذه هي فكرة الشرقيين عن الحكومة وهي فكرة وجدت في مصر، وبلاد الفرس، وسوريا؛ فلما قبلها أورليان عجل التيار الذي كان يحول الملكية إلى حكومة شرقية، وهو التيار الذي بدأ من عهد إلجابالس وانتهى عن دقلديانوس وقسطنطين.
وبينما كان أورليان يقود جيشاً مخترقاً به تراقية ليحسم الأمر بينه وبين فارس إذ اغتاله في عام ٢٧٥ جماعة من ضباطه لأنهم خدعوا فظنوا أنه ينوي إعدامهم. وارتاع الجيش لكثرة ما ارتكبه هو نفسه من الجرائم فطلب إلى مجلس الشيوخ أن يختار مَن يخلف الإمبراطور القتيل؛ ولم يكن أحد يرغب في هذا الشرف الذي ينذر بالقتل على الدوام؛ وانتهى الأمر بأن رضي به تاستس لأنه كان وقتئذ في الخامسة والسبعين من عمره. وكان تاستس هذا يدعي أنه من نسل المؤرخ المسمى بهذا الاسم، وكانت تتمثل فيه جميع الفضائل التي كان ينادي بها ذلك الكاتب الموجز المتشائم؛ لكنه قضى نحبه من فرط الأعياء بعد ستة أشهر من جلوسه على العرش، وندم الجند على ندمهم، فعادوا إلى الاستئثار بالسلطة ونادوا بِبروبس Probus إمبراطوراً (٢٧٦).
وكان ذلك اختياراً موفقاً، كما كان بروبس خليقاً باسمه (١) لأنه كان يمتاز بالشجاعة والاستقامة. فقد طرد الألمان من غالة، وطهر إليركم Illyricum من الوندال، وشاد سوراً بين الرين والدانوب، وأرهب الفرس بكلمة منه، واستمتعت الإمبراطوريّة كلها في أيامه بالسلم؛ وسرعان ما عاهد شعبه على ألا تكون في البلاد أسلحة، ولا جيوش، ولا حروب، وعلى أن يعم الأرض كلها حكم القانون.
(١) يشير الكاتب إلى أن معنى الكلمة اللاتينية Probus هو طيب أو صالح. (المترجم)