يغادر النقابة التي سجل اسمه فيها (٦١). وألزم كم مَن يعمل في الصناعة أو التجارة بأن ينضم إلى نقابة من هذه النقابات الطائفية، وحتم على الابن أن يشتغل بحرفة أبيه (٦٢)، فإذا رغب إنسان في أن يستبدل بمكانه أو حرفته مكاناً آخر أو حرفة أخرى ذكرته الدولة بأن إيطاليا يحاصرها البرابرة وأن على كل رجل أو ابن يشتغل بحرفة أن يبقى حيث هو.
ولما استهل عام ٣٠٥ نزل دقلديانوس ومكسيميان عن سلطتهما باحتفالين مهيبين أقيما في نيقوميديا وميلان، وأصبح جالريوس، وقنسطنطيوس أغسطسين إمبراطورين أولهما للشرق وثانيهما للغرب. ولم يكن دقلديانوس قد تجاوز وقتئذ الخامسة والخمسين من عمره، ولكنه اختفى في قصره الواسع القائم في أسبلاتا Spalata، وقضى فيه الثمانية الأعوام الباقية من حياته. وشهد بعينيه انهيار حكومته الرباعية في غمار الحرب الأهلية. ولما أن ألحّ عليه مكسميان أن يستولي على أزمة الحكم مرة أخرى، ويقضي على الشقاق والحب، قال إنه لو رأى مكسميان الكرنب الجيد الذي يزرعه في حديقته لما طلب إليه أن يضحي بهذه المتعة جرياً وراء متاعب السلطان (٦٣).
والحق أنه كان قميناً بكرنبه وراحته، فقد قضى على الفوضى التي دامت خمسين عاماً وأقر من جديد سلطان الحكومة والقانون، أعاد الاستقرار إلى الصناعة، ورد الأمن إلى التجارة، وأذل فارس، وخضد شوكة البرابرة، وكان بوجه عام مشترعاً أميناً مخلصاً، وحاكماً عادلاً إذا ضربنا صفحاً عن بحض الاغتيالات القليلة التي جرت على يديه.
ولسنا ننكر أنه أقام بيروقراطية باهظة الأكلاف، وقضى على الاستقلال الذاتي للولايات، وعاقب معارضيه أشد العقاب، واضطهد الكنيسة التي كان في وسعه أن يتخذها حليفة له فيما بذل من الجهود لإصلاح أحوال الدولة، وجعل سكان الإمبراطوريّة مجتمعاً من الطبقات، في أحد طرفيه زرّاع جهلاء وفي طرفه