كانت برداً وسلاماً عليه، بل كان فيها كالخبز الذي يخبز، وقد فاحت منه رائحة ذكية كالتي تنبعث من البخور أو غيره من الأفاوية الغالية. وأمر الطغاة آخر الأمر سيافاً أن يجهز عليه بسيفه؛ فلما فعل خرجت منه يمامة، وخرج دم بلغ من غزارته أن انطفأت منه النار وأثار ذلك دهشة الجماهير كلها" (١٦).
وتجدد الاضطهاد في عهد أورليوس الورع. ذلك أنه لما حلّت بالبلاد الكوارث من فيضان، ووباء، أو حرب في حكمه الذي كان في أول أمره حكماً موفقاً سعيداً، ساد الاعتقاد بأن سبب هذه الكوارث هو إهمال آلهة الرومان أو إنكارها، وشارك أورليوس الجماهير في ذعرها، أو لعله خضع لها، فأصدر في عام ١٧٧ مرسوماً يقضي بعقاب الشيع الدينية التي تنشر الاضطراب "باستثارة أصحاب العقول غير المتزنة" بتلقينها عقائد جديدة، وثارت الجماهير الوثنية في تلك السنة نفسها ثورة عنيفة على المسيحيين في فينا وليون ورجموهم بالحجارة كلما تجرءوا على الخروج من بيوتهم. وأمر المرسوم الإمبراطوري بالقبض على زعماء المسيحيين في ليون، ومات الأسقف يوثينس، وهو شيخ في سن التسعين، في السجن من آثار التعذيب. وأرسل رسول إلى روما ليسأل الإمبراطور عما يشير به في معاملة سائر المسجونين، فأشار ماركس بأن يطلق سراح من ينكر الدين المسيحي، وأن يقتل من يعتنقه كما يقضي بذلك القانون.
وكان أهل ليون يحتفلون وقتئذ بعيد الأوغسطاليا كعادتهم في كل عام، وأقبلت الوفود من جميع بلاد الغالة حتى ازدحمت بهم عاصمة الولاية. وبينما كانت الألعاب قائمة على قدم وساق جيء بالمسيحيين المتهمين إلى المدرج ووجهت إليهم الأسئلة، فأما مَن أنكروا فقد أخرجوا من المدرج، وأصر سبعة وأربعون على الاستمساك بدينهم "فقتلوا بعد أن ذاقوا من ألوان العذاب ما لا مثيل له إلا في أيام محاكم التفتيش. من ذلك أن أتلس الذي يلي يوثينس في المراتب الكهنوتية قد أرغم على الجلوس على كرسي من الحديد المحمى الذي شوى جسمه وأزهق