وارتاع الأسقف ألكسندر من هذه الآراء، وارتاع أكثر من هذا من سرعة انتشارها بين رجال الدين أنفسهم. ولهذا دعا مجلساً من الأساقفة المصريين إلى الاجتماع في الإسكندرية، وأقنع أعضاءه بأن يحكموا بتجريد أريوس وأتباعه؛ وأبلغ الإجراءات التي اتخذها المجلس إلى سائر الأساقفة، فاعترض عليها بعضهم، وأظهر بعض القساوسة عطفاً على أريوس، واختلفت آراء رجال الدين والدنيا في الولايات الأسيوية في هذه المشكلة، وترددت في المدائن أصداء "الضجيج والاضطراب … حتى كان الدين المسيحي"، كما يقول يوسبيوس "موضوع السخرية الدنسة من الوثنيين، حتى في دور التمثيل نفسها"(٤٥). ولما جاء قسطنطين إلى نقوميديا بعد أن هزم ليسنيوس، سمع هذه القصة من أسقفها، فأرسل إلى الاسكندر وإلى أريوس رسالة شخصية يدعوهما فيها أن يتخلقا بهدوء الفلاسفة، وأن يوفقا بين آرائهما المختلفة في سلام، فإن لم يفعلا فلا أقل من أن يخفيا جدلهما عن آذان الجماهير، ويكشف هذا الخطاب، الذي نقله لنا يوسبيوس، في صراحة عن قلة اهتمام قسطنطين بعلوم الدين، وعن الهدف السياسي الذي كان يبتغيه من سياسته الدينية:
"لقد اقترحت أن أرّد جميع آراء الناس في الله إلى صورة واحد، لأني قوي الاعتقاد بأني إذا استطعت أن أوحد آراءهم في هذا الموضوع سهل علي كثيراً تصريف الشئون العامة. ولكني مع الأسف الشديد أسمع أن بينكما من الخلاف أكثر مما كان قائماً في أفريقية من وقت قريب. ويبدو لي أن سبب هذا الخلاف بينكما صغير تافه غير جدير بأن يثير هذا النزاع الشديد. فأنت يا ألكسندر تريد أن تعرف رأي قساوتك في إحدى النقاط القانونية، في جزء من سؤال هو في حد ذاته عديم الأهمية؛ وأما أنت يا أريوس فقد كان الواجب عليك، إذا كانت لديك أفكار من هذا القبيل، أن تظل صامتاً … ولم يكن ثمة حاجة إلى إثارة هذه المسائل
أمام الجماهير … لأنها مسائل لا يثيرها إلا مَن ليس لديهم عمل