تكديس الرؤوس فوق الرؤوس بدل أن يراعي الفنان قواعد المنظور، يشهد كل هذا بخشونة الذوق وعدم الإتقان الفني ولكن الحفر العميق وما يقع عليه من ضوء وظل، يطبع في الخيال صورة واضحة من العمق والسعة، والحادثات التي تقصها تلك النقوش ممثلة بحيوية خشنة كأنما الفن الإيطالي قد اعتزم أن يعود إلى منبعه الأول.
ويبدو تمثال قسطنطين الضخم المحفوظ في الكنسر فتورى بدائياً إلى حد تشمئز منه النفس، ولا يكاد العقل يصدق أن الرجل الذي تفضل فرأس مجمع نيقية يشبه البربري الفظ إلى الحد الذي يطالع الإنسان في هذا التمثال- إلا إذا كان الفنان قد أراد أن يوضح مقدماً العبارة الجامعة الساخرة التي قالها جبن:"لقد وصفت انتصار الهمجية والدين".
وفي أوائل هذا القرن الرابع أخذ فن جديد يتشكل ويزهر في الوجود- ونعني به "تزيين" المخطوطات بصورة ملونة صغيرة. وكان معظم الأدب في ذلك الوقت مسيحي الطابع. ومن أدباء ذلك العصر لوسيوس فرمنيانس لكتنيوس Lucius Firminianus Lactantius الذي شرح شرحاً بليغاً في كتابيه الأنظمة المقدسة Divinae Institutiones (٣٠٧) وفي الاضطهاد المميت De Mortibus Persecutorum (٣١٤) الآلام الأخيرة التي عاناها الأباطرة مضطهدو المسيحيين، ولم يكن هذا الوصف يقل عن وصف شيشرون بلاغة وحقداً. ومن أقواله في هذا المعنى:"إن طبيعة الدين تحتم أن يكون حراً، طليقاً، غير متأثر بأي ضغط"(٥٥)، وتلك بدعة لم تطل حياته حتى يكفّر عنها، وكان يوسبيوس بمفيلي أسقف قيصرية أوسع منه شهرة. وقد بدأ حياته الأدبية كاتباً قسيساً وأمين مكتبة لسلفه الأسقف بمفيلس، وقد بلغ من حبه لهذا الأسقف أن تسمى باسمه. وكان بمفيلس الأكبر قد حصل على مكتبة أرجن وضم إليها