للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الجيش: ولما كانت الروح الحربية قد إنعدمت في إيطاليا فإن هذا القرار كان خاتمة الضعف العسكري في شبه الجزيرة؛ فكان إنشاء جيوش من أبناء الولايات ومن الجنود المرتزقة، والقضاء على الحرس البريتوري على أيدي سبتميوس سفيرس، وظهور قواد للجيش من بين أبناء الولايات، واستيلاؤهم على عرش الإمبراطوريّة، كان هذا كله سبباً في القضاء على زعامة إيطاليا، بل قُل على استقلال إيطاليا، قبل سقوط الإمبراطوريّة في الغرب بزمن طويل، ذلك أن جيوش روما لم تعد كما كانت من قبل جيوشاً رومانية، بل كان معظمها يتألف من أبناء الولايات وأكثرهم من البرابرة، ولم يكونوا يحاربون دفاعاً عن دينهم أو وطنهم، بل كانوا يقاتلون لنيل أجورهم، وهباتهم، ومغانمهم، وكانوا يهاجمون مُدن الإمبراطوريّة وينهبونها بنفس الحماسة التي يظهرونها في مواجهة الأعداء؛ وكان معظمهم من أبناء الفلاحين الذين يحقدون على الأغنياء وعلى المُدن لأن الأولين يستغلون الفقراء ولأن الثانية تستغل الريف؛ وكانت الحروب الداخلية تتيح لهم الفرصة لنهب المُدن نهباً لا يكاد يترك فيها شيئاً يدمره البرابرة الأجانب (١٦). ولما أصبحت المشاكل الحربية أعظم خطراً من الشئون الداخلية، اتخذت المُدن القريبة من الحدود مراكز للحكم؛ وأضحت روما مسرحاً للانتصارات، ومظهراً للعمائر الإمبراطوريّة، ومتحفاً للآثار والأنظمة السياسية. يضاف إلى هذا أن تعدد العواصم وانقسام السلطة حطما وحدة البلاد الإدارية، فلما أصبحت الإمبراطوريّة أوسع من أن يحكمها حكامها، ومن أن تحميها جيوشها، بدأت تتفكك.

ولما تركت غالة وبريطانيا وشأنهما تحميان نفسيهما بمفردهما من الألمان والأسكتلنديين دون معونة من الحكومة المركزية اختارت كلتاهما (إمبراطورها) الخاص بها وخلعت عليه السلطة العليا والسيادة الكاملة؛ ثم انفصلت تَدْمُر عن الدولة في عهد زنوبيا، ولم تلبث أسبانيا وأفريقية أن خضعتا دون مقاومة تذكر إلى الفاتحين البرابرة؛ فلما جلس جلينس على العرش كان ثلاثون قائداً يحكمون